الكاتبة والفنانة التشكيلية التونسية / رجاء بن موسى تكتب : زمن الناس الطيبين
سوق النحاس بالقيروان
سمفونية الخلود والعمل تتعالى
جمالا وسحرا في سوق النحاس بالقيروان
تهز سمع المارة وتراقص خيالهم في بلاط الأغالبة
وسرب حمام ابن الخطيب أتى يتمايل على انغام زرياب
يحمل على جناحه حضارات متثاقلة القدم بين أموية وأخرى عباسية و أندلسية من جامع عقبة بن نافع الى البروطة
فرشت لهن الزرابية و رشت خطواتهن بماء زهر من مرش نحاسي
وهذه العروس أروى قد لفت بحائك المرمة في خجل وحياء مثلما يلف النرجس بندى الصبح
وشدت اللحاف بطرف أصابعها كبرياء لتكشف عن صدر قد أشع
بعقد فضي أمازيغي من خرز المرجان والزمرد يبعد عنها الحسد ويجلب لها الرزق والسلام
حجبت وجهها وتركت لعينيها الحياة
فمرود الكحل النحاسي قد جعل رموشها سهاما ترحل بقلب كل عاشق حاول الاستيلاء
لو انزيد انكحلهم شطر المرسى انرحلها
يترنم فوق كعبها خلخال فضي يضبط إيقاع رنات مطرقة المعلم صدقي الذي يخط على صوان نحاسية سهول تونس وجبالها و وشمس صحرائها فيجعل منها تحفا فنية سفيرة بين هدايا السياح
حاذاه المعلم الحداد يقصدر
قصعة و مقفولا ويلمعها استعداد لأيام رمضان
أما الحاج الشابي أمين السوق فقد يمر أمامه البيع والشراء بالدلالة
فقد جهزت العروس بيت زوجها.
بتحف نحاسية من مزهرية و أطباق حلويات
و يهجر سرب الحمام السوق مساء
وسط أزقة قد تسلحت بنور من قناديل نحاسية توارثوها من عند الحسينين
أليس للأزقة من سكون !!!
فدقات المهارس النحاسية يتعالى اصواتها من البيوت كدقات خطوات الجيش
تصون المدينة حركية وبهجة
وشذى المقروض قد انتشر في الطواجن النحاسية تدعو الزائر الى التحلية
فالقيروان تأتم الهداة بها فعلمها كسكاس يتفاخر كرما لكل زائر
ورائحة البخور تتعالى قداسة
من مبخرة نحاسية حصنت بها فاطمة السقيفة لاستقبال جارتها
فليالي رمضان سمر وذكرى الرحمان
وللضيف مقام
فقد تباهت فاطمة بأوان نحاسية ةصينية و براد و مرش زهر و ززوة
فالمراة القيروانية مقدية وبيتها
متحفا فنيا للأواني النحاسية
فتراث بلدها فخرا لها و لأولادها
ثم يترافقن الى مقام سيدي
الصحبي ليرتوين بماء فضي من حلاب نحاسي وتمتلئ قلوبهن بذكر النبي عليه الصلاة والسلام
ويتعالى اسم الله من جامع عقبة بن نافع بصوت البراق فتخشع له القلوب وتسجد له النفوس إيماناً ورحمة وسلاما.
Post A Comment: