قصة آخر حاكم مسلم للهند | بقلم / أ: أحمد الجمال كاتب وباحث أكاديمي مصري عضو الإتحاد العالمي للمثقفين العرب مقدم التاريخ بالإذاعة المصرية.
" نحن أمة تحتاج إلى إعادة البناء؛ ليكون لها موطأ قدم في عالم الغد، وتكون أمة مشاركة في صنع الحضارة؛ فلا تعيش على هامش الحياة"
ولن نستطيع البناء بدون الوعي بتاريخ أمتنا، فالتاريخ غرس الماضي وسجل الزمن، وجملة القول:
من وعي التاريخ في صدره فقد أضاف أعماراً إلى عمره؛
وعندما نطالع قصة آخر الحكام المسلمين للهند؛ نشعر بغرابة الأحداث وبمرارة الإستعمار وقسوة المستعمر؛ فهيا معاً صديقي القارئ أنا وأنت؛ نُقلب صفحات التاريخ
لنقف على حقيقة ما حدث، ولندع التاريخ يتحدث عن تاريخ هذا الحكم الإسلامي للهند ونهايته.
أعتلى" بهادر شاه الثاني" سدة الحكم في الهند فى عام 1254هـ - 1838م، خلفًا لأبيه السلطان "محمد أكبر شاه الثاني"، وكان الإنجليز في عهده قد سيطرواعلى البلاد، وفرضوا نفوذهم على سلاطين الهند، الذين كانوا يتقاضون رواتب مالية منهم، وأصبحوا كأنهم موظفون لديهم، وبلغ من تعنتهم ومدى نفوذهم أنهم كانوا يتحكمون فيمن يدخل "دلهي" ومن يخرج منها.
وتماشياً مع عادة الدهر ما إن يبلغ البنيان تمامه حتى يبدأ في النقصان والتراجع؛ فبعد عهد أورانكزيب تعاقب على الحكم أشخاص لم يكونوا على نفس مقدار من سبقوهم، وتزايد نفوذ الشركات الأجنبية بشكل لم يكن السلاطين الأقوياء يتخيلونه، ففي البداية عملت الشركات الهولندية والبرتغالية بشكل محدود في ظل فترة قوة الدولة ولحقهم الإنجليز ثم الفرنسيون.
وبادئ ذي بدء حاول الملك الإنجليزي جيمس الأول إيجاد موطئ قدم له في الهند في عهد الملك المغولي جهانكير عبر سفيره هوكينز، فقيل له وقتها إن «ملك إنجلترا ليس سوى سيد جزيرة صغيرة يسكنها صيادون بائسون» وفقًا لما وثقه المؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون في كتابه «حضارات الهند»، وخلال سنتين ونصف فشل هوكينز في أن يحصل على أي رسالة لمَلِكِه، إذ قال له كبير وزراء شاه جهانكير، إنه «لا يناسب قدر ملك مغولي أن يكتب إلى أمير صغير كملك إنجلترا»، لكن شركة الهند الشرقية الإنجليزية لم تيأس حتى استطاعت أن تفتتح أعمالها في غرب الهند في عهد السفير توماس رو، ويعتب المؤرخون على السلطان جهانكير تسامحه مع التجار الأوروبيين، الأمر الذي مهد لهم توطيد نفوذهم في البلاد لاحقًا وجلب المقاتلين بحجة حراسة المخازن والمراكز التجارية حتى أصبحوا قوة عسكرية منظمة.
وتعاقب على الهند سلاطين مغول ضعفاء ورثوا الحكم ولم تحنكهم التجارب فاستنزفتهم الصراعات الداخلية وتمردات الأقاليم وتعرضت لغزو نادر شاه الأفشاري (ت:1747) حاكم إيران، وعلا شأن الهندوس حتى أصبحوا يتحكمون في تعيين السلاطين، وزاد نفوذ الشركتين الإنجليزية والفرنسية حتى أصبحتا تنازعان الدولة سلطتها وظهرت أكثر من إمارة مستقلة.
الدولة المغولية: وتعتبر المملكة الأخيرة للمسلمين فى الهند وقد قامت فى الفترة من (932-1274هـ) الموافق (1525-1858م) فوصلت بالحكم الإسلامي إلى أرقى صوره وأقوى نفوذ له وشهد الإسلام فى عهدها أوسع انتشار له. وقد تعاقب على حكم هذه الدولة سلاطين أكفاء أولهم (ظهير الدين بابر) مؤسس الدولة المغولية، وقد وصلت دولة المغول فى الهند إلى أوج مجدها فى عصر السلطان (أورنك ذيب عالمكير) الذي كان من أعظم الملوك الفاتحين ومن أكثرهم زهداً وتقشفاً والذي أشرف على تأليف الموسوعة المعروفة بالفتاوى الهندية أو (العالمكيرية) نسبة إلى (عالمكير) وهو الاسم الذي اشتهر به ذلك السلطان فى الهند. أما آخر سلاطين المغول فقد كان السلطان (بهادر شاه) الثاني الذي تولى الحكم فى الهند فى عام (1838م)، وكان الإنجليز فى عهده قد أحكموا سيطرتهم على البلاد وفرضوا نفوذهم على سلاطين الهند الذين كانوا يتعاملون معهم وكأنهم موظفون عندهم. وفى عام (1858م) قام المسلمون والهندوس بثورة عارمة قادها (بهادر شاه) الثاني ضد الإنجليز الذين تصدوا لها بقوة واستطاعوا القضاء عليها والقبض على قائدها. وبعد محاكمات صورية صدر الحكم على السلطان بالإعدام ثم خُفِّف الحكم إلى النفي، وفي يوم الخميس (8 من ربيع الأول 1275هـ) الموافق (17 أكتوبر 1858م) تم نفي السلطان وأسرته إلى مدينة (رانكون) عاصمة (بورما). وبنفيه سقطت دولة المغول الإسلامية وطويت آخر صفحة من صفحات الحكم الإسلامي العظيم في الهند والذي ظل شامخاً لأكثر من ثمانية قرون. وأُعلن تحويل الهند إلى مستعمرة بريطانية.
واقع المسلمين الأليم
لم يكن احتلال الإنجليز لبلاد الهند بالشيء الهين أو اليسير، بل قامت عشرات الحركات الإسلامية التحررية ضد الاحتلال الصليبي لممالك المسلمين، من أبرزها حركة السلطان سراج الدولة، والسلطان حيدر على خان وابنه السلطان تيبو، وحركة الإمام الشهيد أحمد عرفان البريلوي وكانت من أكبر وأقوى الحركات الإسلامية التي قامت على أساس سلفي خالص. لذلك لم ينس الإنجليز ذلك الأمر وعملوا على تمزيق وحدة المسلمين بأخبث الوسائل وأمكرها، وفرضوا عليهم الجهل والتخلف والمرض، ومنعوهم من تولي المناصب الحكومية، وقربوا الهندوس والسيخ ومكنوهم من مفاصل الدولة، وأذكوا نيران العداوة بينهم وبين المسلمين. كما صادروا الأملاك والأراضي والأوقاف وهدموا المساجد والجوامع، وانتهز الهندوس الفرصة وشاركوا الإنجليز في التنكيل بالمسلمين، فأخذوا أراضيهم ومنازلهم وهجَّروهم من ديارهم، بل حلوا مكانهم في الوظائف والأشغال، وقد عبر اللورد آلان برو المندوب الإنجليزي في الهند عن سياسة الإنجليز هناك بقوله: "ليس في وسعي أن أغمض عيني بأن هذا العنصر الإسلامي عدو أصيل العداوة لنا، وأن سياستنا الحقة أن نتجه إلى تقريب الهنادك". كما تبنوا الحركات الضالة الهدامة مثل النوربختشية (غلاة الشيعة)، والقاديانية أتباع الدجال مدعي النبوة والإلوهية "غلام ميرزا أحمد القادياني" الذين كان يدعوا لإبطال الجهاد ضد الإنجليز بدعوى أنهم "ولاة الأمر" الذي لا يجوز الخروج عليهم.
ودائماً وأبداً... التاريخ لاينتهي.... سنحيا بالأمل في الله... سنحيا بالعلم.... سنحيا بالكفاح.... سنحيا بالتسامح... سنحيا بالإبتسامة الجميلة.
Post A Comment: