الكاتبة والفنانة التشكيلية التونسية / رجاء بن موسى تكتب نثيرة تحت عنوان "موسم الصوف" 


الكاتبة والفنانة التشكيلية التونسية / رجاء بن موسى تكتب نثيرة تحت عنوان "موسم الصوف"



زمن الناس الطيبين


موسم الصوف



قد سبقت  جدتي سالمة الصبح

وورمت بحدائق الصوف في بركة الماء تناجي شمسا  تتلحف بدفئها

فسهام الماء قد جمدت يدين

تلتقط الحسك من خيوط  صوف متشابك العقد 


وبجعات بيض قد انتشرت وسط البركة 

تخفق بجناحها ما تناثر من بقايا الصوف وتهمس بأناملها نقاوة الثلج الذي تراكم فوق سطح البركة


 وعلى ضفاف البحيرة تشعل جدتي الدفئ 

فالشمس اليوم أبت أن تكون رقيقة لهن

وتلتف  البجعات في مناشف الصوف

وتتحلق حول نار هي الحياة


 وما زالت جدتي تخادع الزمن 

فتشرق النور في السحر

هيا انهضن النهار راح


فالذي ضاع صباحه ضاع رباحه


فتخفق قلوب البجعات انتقاما لصبح

ليس له مقام 


و تتسرب الحياة من خفقات قلب وابور  البنزين بين خفقان واسرار

على   التهاب نار تساند هروب الصباح


 و تفور القهوة فتسرع لها جدتي

و تسكبها بابتسامة الانتصار

فالحياة مركب حرب عند جدتي


 وما بيتها الا قرطاج وهي عليسة

فمن الجلد  اكتسحت البحار 



وهديل حمام في الأزقة ينشد الصباح ابتسامة 

وينقر على باب الخوخة احتفالا


فاليوم  عيد الصوف 


وحبيبة قد فرشت له السقيفة كليما

بربري الأجداد 

فلكل وردة شذى ومقام


 و أم السعد تنشر الصوف بين أجنحة تخفق فرحا 

 إيماناً ان حمل الجماعة ريش

فتمتد الأمشطة  تنفش ما بقي عالقا في  أكوام الثلج  من  احساك و أشواك

فيغدو ناعما  كصباح بدأ يرسم  النور  لوجوه تطلب الستر والرضاء


ويصدح صوت جدتي 


نا وجمالي فريدة


فيخشع له الحوش سندا

ويضبط  له الايقاع خشخشة القرداش بين مد وجزر 

لتضمد يد المقون في نعومة وافتخار


وتستند رشيدة بظهرها  على جدار يحضنها  ليتكئ المغزل مدللا على ساق الحياة

و سهام  تراوده بين اقتناص ورحمة

فتتدفق  الطعمة بين أناملها   كخيوط الشمس 


وزردة  الكسكسي ترقص على نغمات بنات الحي

فيطلبن المزيد من نعومة الصوف

فالصوف يتباع بالرصانة


وهناك وسطح الحي تدق المسامر

وتفترش شبكة االقيام  وقد رسمته فاطمة من خيال امازيغي


هذه لوحة المنسج في السقيفة

عمادها خشبتان و عمودان يتشابك بهما خيوط القيام  والنيرة  كما تتشابك خيوط الطول والعرض بالكرة الارضية


وترفع جميلة القصبة مع ارتفاع شدوها.  

اوتار وعودي الصوف والسدايا 


وتتخلل بأصابعها خيوط الطعمة 

ليصفق لها الخلال تمجيدا لفتاة قروية

وترسم أحلامها من خيوط الأقحوان  والنرجس و زهر الرمان


فتتنعم لطيفة  بحلاوة الشاي 

ينسكب من جمال لوحة رسمتها  أنامل فنان


أما زلت  يا جدتي تخادعين الصبح !!


ففانوس الحارة يتكاسل بنوره 

ويحرس ظلا ملتحفا بستر الحياة  يسارع الخطى لسوق الصوف



وتشرق الشمس على لوحات فنية

تشد  سائحا يبحث عن وبر  البربر وشطحات  الأمازيغ و ربيع غرناطة 


ولم تنس جدتي الربيع  فقد دثرته بمنشفة و فرشية وزاورة

فوزرتك ما اتبيعها بردها في ربيعها


ويفرش  الفرح  وسط الحوش

فابتسامة   جدتي أنشودة  للبجعات

والصوف غطاء وستر لهن


رحلت جدتي

وبقي الصبح يبحث عمن يراوده




Share To: