الأديبة المصرية / خلود أيمن تكتب مقالًا تحت عنوان "الأمر اليقين"
السلام عليكم،
إنه لأمر بديهي أنْ يكون لكل شيء نهاية ، فللحياة بأسرها نهاية حتمية سنصل إليها في نهاية المطاف ، فما هي إلا رحلة محفوفة بالمخاطر ، الاختبارات ، الابتلاءات ، الإخفاقات ، النجاحات وغيرها من الأمور المختلفة التي تحتاج لمزيد من الصبر و المثابرة والصمود ، فالأهم أنْ يعي المرء لنهايتها ويعمل لها قدر الإمكان بكل ما أوتي من قوة وإرادة دون أنْ يتعثر في منتصف الطريق ، فالموت هو الأمر المُسلَّم به والحقيقة المؤكدة في تلك الحياة الفانية ، فهو قريب يحيط بنا من كل جانب ولا نعرف له موعداً فقد يحدث فجأة دون أي إنذار أو مؤشر مُسْبَق أو بوادر ظاهرية توحي بقدومه ، فهو أمر رباني يحين وقتما يشاء الله لذا علينا أنْ نحذر الوقوع في الخطأ بشكل متكرر ونقلل فرص السقوط في الخطيئة حتى نُحْسِن خاتمتنا بالقدر المستطاع ونكون على أهبة الاستعداد له طوال الوقت فلا يوجد ضمان لأي أمر بها سوى الموت ، لذا علينا أنْ نقلل تَعلُّقنا بها وبمَنْ فيها أيضاً حتى لا نشعر بالتيه أو التشتت أو التخبط فور الرحيل المفاجئ لأحد فهو أمر مُتوقع مسبقاً ، فذلك اليقين يجعلنا أكثر هدوءاً وثباتاً واستقراراً نفسياً ومعنوياً ، فكما يقلل أو يَحِد من حالة الحزن التي تحرق القلب وتخترقه فهو يجعلنا أكثر صموداً وتكيفاً مع الوضع الراهن لمجابهة تحديات الحياة والتَقبُّل للأحداث والتسليم بالأمر الواقع والقدر المكتوب لنا ، فتلك من أقوى الأسباب التي تؤكد إيمان المرء وثقته بربه وقدرته على التفريق بين إغواءات الدنيا ونعيم الآخرة الذي يجب أنْ يظل يلهث ويركض بين أروقة الحياة بمنعطفاتها وصعوباتها المختلفة لأجل الوصول لذلك الهدف السامي بلا أدنى شعور بالتعب أو الإجهاد أو الإرهاق أو التقصير أو فقدان الطاقة تجاه ذلك الأمر ، فالموت بمثابة انتصار وقضاء على كل مطامع الدنيا وفتنها التي لا تنتهي وتحجيم لشهوات البشر أيضاً ، فالاستسلام له لا يُعَد هزيمةً كما يعتقد البعض فهو قد يهز أرجاء الجسد وتصدع أمامه أشد القوى ولكنه يُعَد من أكثر الأمور التي تُوضِّح تَقبُّل المرء للقدر وعدم التعرض للجزع أو الوهن أو الضيق أو اليأس أو الإحباط فما هي سوى عوامل اعتراض على قضاء الله وكذلك النحيب المتواصل والبكاء المستمر ، فكلنا راحلون فالأفضل منا مَنْ يغادر وقد أدى حق الله عليه في العبادات ، التعاملات ، الإنجازات الحياتية وكل ما يجعله فخوراً بذاته تاركاً الأثر الذي تمناه قبل ترك الدنيا والذهاب إلى الحياة الآخرة ، فبرغم ما بها من نِعَم فهو يترك مساحة شاغرة في قلوب الأحياء و ذكريات لا تُنْسَى وأحاديث مفعمة بالحب والحنان والاحتواء والأمل ، فليحاول كل منا فعل ما بوسعه حتى ينال الجزاء الذي يتمناه ويترك البصمة الطيبة في قلوب البشر التي يظلوا يتذكرونه بها بعد رحيله عن دنياهم وليعلم كل منا أنه سيصل لتلك النهاية لا محالة محاولاً العمل لها وعدم التشبث بالدنيا بالقدر المبالغ فيه ، فكل شيء فيها إلى زوال ولا تبقى سوى الكلمة الطيبة والأثر المُبارَك ، فقد يسهو الكثير من البشر عن دورهم الأساسي في تلك الحياة ويندفعون وراء تكوين الثروات وتحصيل الأموال الطائلة وغيرها من الأمور السفيهة المُتعلِّقة بالدنيا فما هذا إلا إنكار للدور الرئيسي الذي خُلِقْنا من أجله وهو العبادة الحقَّة التي يُقصِّر فيها العديد من البشر فهي المُنقِذ الوحيد لهم في مثل ذلك الموقف العصيب الذي يقف فيه المرء وحيداً أمام الله يُسْأل عن خالص أعماله فلا يشفع له أحد ولا يدافع عن زلاته أو ينوب عنه في أخطائه ، فلقد وصل لمرحلة الحساب التي لا يساعده أحد فيها سوى ذاته وهل التزم بما أمره به الله أم خالفه واتبع شهواته وأهواءه التي لا تجلب إليه سوى الضياع والحياد عن طريق الحق الذي يجعل تلك النهاية مُرضيَّة له ولكن هيهات فلقد ساقته قدماه للكثير من الزلل و الخطايا دون عناء التوبة أو التكفير عن الذنوب و الرجوع لطريق الله حتى جاء اليوم الذي لن يتمكن فيه من العودة للماضي لمَحو رُكام الذنوب ومحاولة إصلاح ما أفسده بكلتا يديه وبإرادته ، فعلنا نستفيق قبل الوصول لتلك المرحلة النهائية من الحياة التي لا رجوع منها أو قدرة على تخليص أخطاء الماضي الأليم الذي لم نحاول ولو لمرة التوقف عن ارتكابها أو حتى التقليل من حجمها حتى صارت كجبال صعبة الهدم أودت بنا لطريق مسدود أيضاً ، فلكل مؤمن عقل عليه أنْ يتفكر به في كيفية التصرف بحكمة ووعي وبصيرة في الأمور قبل الشروع فيها وهل ستعود عليه بالنفع أم أن مضارها ستؤثر على نهايته بالسَلب وعليه اجتنابها و اكتفاء شرها تماماً قبل أنْ يواجه العقاب العسير ؟ ...
Post A Comment: