حديث الجمعة | رحمةمهداة 2 بقلم فضيلة الشيخ أنور توفيق موجه الوعظ بالأزهر الشريف
أيها إلقارئ الكريم حدثتك فى الجمعة الماضية عن بعض ما اختص الله رسوله صلى الله عليه وسلم من كونه رحمة مهداة إجمالاً واليوم بإذن الله تعالى أحدثك عن رحمته صلى الله عليه وسلم بشئ من التفصيل اليسير عن رحمته صلى الله عليه وسلم بالعالمين
واليوم بإذن الله تعالى أحدثك عن رحمته بالجماد راجيا من الله التوفيق والسداد وهداية العباد
ولعل عنوان المقال يثير عجب البعض، فيتساءل: هل الجمادات تشعر أو لديها إحساس حتى يقع عليها رحمة العباد؟!
والإجابة على هذا التساؤل: نعم.
الجمادات لها شعور وإحساس، وحب وميل، بل بكاء وأنين، وهذا الذى دفع بنبينا -عليه الصلاة والسلام- أن تقع شفقته على هذا العالم مِن المخلوقات، وقبل أن نذكر بعض مواقفه -عليه الصلاة والسلام- في رحمته بالجمادات، نذكر طرفًا مِن عبودية الجمادات حتى يزال عجب القارئ أو السائل.
فالله -سبحانه وتعالى- خلق في هذه الجمادات إدراكًا حقيقيًّا، فهى تسبح وتحمد الله -عز وجل-؛ حتى الحجر والجدار، كما قال -تبارك وتعالى- في الجدار: (فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ) (الكهف:٧٧)، خلق الله فيه إرادة؛ ولذا قال: (يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ)، وقال -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ) الحج:١٨، وفي هذه الآية قرينة واضحة على أن السجود هنا سجود حقيقى والخلاف هو في كيفية السجود، ونحن نعرف فقط سجودنا نحن؛ إذ نسجد على سبعة أعضاء، أما ما عدانا مِن الكائنات فهي تسجد، لكننا لا نعرف هذه الكيفية.
وقال -تعالى-: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) (الإسراء:٤٤)، فكل هذه الكائنات مسلمة بالله -عز وجل-، كما قال -سبحانه-: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (آل عمران:٨٣).
وليس هذا فحسب، بل جميع الكائنات تؤمن بنبوة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، في حين عمىَ كثير مِن الإنس الذين أوتوا العقول ورأوا الآيات عن هذا الحق، وكذبوا برسالته -صلى الله عليه وسلم-! فعن جابر بن عبد الله أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، إِلَّا يَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا عَاصِيَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) رواه أحمد.
وهذه بعض الأحداث التي وقعتْ للنبى -صلى الله عليه وسلم- مع الجمادات:
- عن جابر -رضي الله عنه-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِلَى شَجَرَةٍ أَوْ نَخْلَةٍ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، أَوْ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا؟ قَالَ: (إِنْ شِئْتُمْ)، فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرًا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ الجُمُعَةِ دُفِعَ إِلَى المِنْبَرِ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِى ثُمَّ نَزَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِى يُسَكَّنُ. قَالَ: (كَانَتْ تَبْكِى عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَهَا) رواه البخارى.
- وعن يعلى بن مرة -رضي الله عنه- قال: سِرْنَا فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَنَامَ النَّبِى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَتْ شَجَرَةٌ تَشُقُّ الْأَرْضَ حَتَّى غَشِيَتْهُ ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَكَانِهَا، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذُكِرَتْ لَهُ، فَقَالَ: (هِيَ شجرةٌ استأذَنَتْ ربّها -عز وَجل- أَنْ تُسَلِّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَذِنَ لَهَا) رواه أحمد
وقد تحرك الجبل فرحًا به -صلى الله عليه وسلم-: عن أنس -رضي الله عنه-: أَنَّ النَّبِى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَعِدَ أُحُدًا، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ، فَقَالَ: (اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ، وَصِدِّيقٌ، وَشَهِيدَانِ) (رواه البخارى
وكذلك الأحجار كانت تسلِّم عليه -صلى الله عليه وسلم-: عن جابر بن سمرة أن النبي -صلى الله عليه سلم- قال: (إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ) رواه مسلم
كما عبَّر -صلى الله عليه وسلم- عن حُبه للجمادات: فعن أبي حميد -رضي الله عنه- قال: أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، حَتَّى إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى المَدِينَةِ قَالَ: هَذِهِ طَابَةُ، وَهَذَا أُحُدٌ، جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ) متفق عليه
ماذا أقولُ وكيفَ أمْـدَحُ أحمداً
بعدَ الَّذِى قد جاءَ فى القُرآنِ
فقدِ امْتَطَى الأخلاقَ أحمدُ
واعتلا وأتَى يُتَمِّمُها بلا نُقْصانِ
فالصِّدقُ فيهِ سَجِيَّة وفَضِيلةٌ
وبهِ تَقُومُ دَعـائم الإيمانِ
وأتى رحيماً بالخلِيقَـةِ كُلِّها
حتَّى الجَمَادِ كذاكَ بالحَيَوانِ
فالجِزعُ حَنَّ إلى النَّبِىِّ مَحَبَّةً
مَسَحَ النَّبِىُّ عليهِ فى تَحْنانِ
جَمَلٌ أتَى يَشْكُو إليهِ مَتاعِباً
فرَأى مِنَ المُختارِ كَلَّ حَنانِ
وإذا رحِمْتَ فأنْتَ أمٌّ أوأبٌ
بلْ أنتَ أرْحَمُ مِنْ أرَقِّ جَنانِ
وسَخَاؤكُم خَيْرٌ مِنَ الرِّيحِ التى
قد أُرسِلتْ بالجُودِ والإحسانِ
وسَخاؤكُم مِنْهُ السَّحائِبُ
قد جاءَ يُتْمُكَ فى القُرانِ تَكَرُّماً
واليُتْمُ كونُكَ ليسَ مِنكَ اثنانِ
أمِّيَّةُ المُختارِ مُعْجِزةٌ لَهُ
كى لا يكونَ الرَّيبُ بالحيرانِ
جاءتْ إلى عَمِّ النَّبىِّ ثُوَيبةٌ
قد بَشَّــرَتْهُ بمَولِدِ العَدْنـانِ
سَرّتْهُ بُشراها سُرُوراً بالِغاً
قالَ اذهَبِى حُرّرْتِ مِنْ ذا الآنِ
فجزاكَ رَبُّكَ يا أبالهبٍ بأنْ
خَفَّ العذابَ عليكَ فى النِّيرانِ
فى يومِ مِيلادِ النَّبىِّ وكيفَ لا
ودقائقُ الأعمالِ فى الميزانِ
مِيلادُ خيرِ الخَلقِ جاءَ مُحَرِّراً
العَبدَ مِنْ عَبْدٍ ومِنْ أوثانِ
قد جاءَ جبريلٌ إليكَ مُعَلِّماً
اقرَأ وذاكَ بأوّلِ القُرآنِ
فرجَعتٙ بَيتكَ زَمِّلُونِى زَمِّلُوا
غطّتَ خديجةُ زَوجَها بِحَنانِ
وحكَى لها ما قدْ رَأَى فى غارِهِ
قالت بكُلِّ أمانةٍ وأمانِ
واللهِ لن تُخزى فلستَ بقاطعٍ
رَحِماً ولا ضنًّا على إنسانِ
شَرَّفتَنا بالمُصطَفى يارَبَّنا
وبعثْتَهُ بالدِّينِ والإيمانِ
فاجْعلْهُ رَبِّى شافِعاً ومُشَفَّعاً
يوماً يقومُ النَّاسُ للدَّيَّانِ
بتصرف من شعر أ٠د عمرو سعيد مطر الحافظ والمعلم لكتاب الله عزوجل والداعية بوزارة الأوقاف
هذا ولا يزال الحديث موصولا عن الرحمة المهداة رزقنى الله وإياكم حبه وشفاعته يوم الدين بجاه سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.
Post A Comment: