يوسف كريت..عدسة ترتوي بحب الطبيعة | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد
لا شك أن الطبيعة هي ملاذنا الآمن عندما تضيق بنا الحياة ولا شك أنها مصدر إلهام عظيم لكل البشر على اختلافهم، لكنها تتخذ بعداً خاصاً لدى العلماء والمفكرين كمصدرٍ متجدد للمعرفة والحكمة، كما تحتل مكانةً متميزة لأهل الأدب والثقافة والفن حيث يبنى عليها أو على أحد مشتقاتها فكرةٌ قادرةٌ على مخاطبة العقل والوجدان معاً لتظل مضيئةً كقنديلٍ لا ينطفىء لأجيالٍ وأجيال، وبلا شك فإن بداخل كلٍ منا طفلٌ فضولي يسعى إلى التحقق والإنجاز لذا قد لا يفهم البعض فرحةً كاتبٍ أو شاعر بنصٍ أنجزه، أو سعادة رسامٍ بعملٍ أتقنه أو نشوة مصورٍ بلقطةٍ انتزعها من قلب الزمان ليكتب لها الخلود في صورة، وبرغم أن لمختلف الصور مذاقاً متميزاً إلا أن توثيق مشاهد الطبيعة وكائناتها يمتلك لذةً خاصة لا تشبه اللقطات الفنية المعتادة لأنها تحتاج إلى حرفيةٍ وشغف وتمكن كذلك الذي نراه في أعمال المصور الفوتوغرافي الجزائري يوسف كريت..
فحب الطبيعة ليس مجرد رغبةٍ مفاجئة قد تعتري أحدنا وكأنها نزوةٌ عابرة، بل هو شعورٌ متأصل في نفس صاحبه فيقوده إلى طريقٍ مختلف يمليه عليه ذلك الإحساس ليختار له مساراً مختلفاً، لتتفتح مداركه وتسمو حواسه عن مفردات النشاز التي صنعها الإنسان بيديه وتخلق له عالماً متكاملاً يرتكز على التوازن الداخلي والسلام الحقيقي الكامن في الطمأنينة التي تعيشها الكائنات وهي تعرف أنها لن تكون سوى نفسها، وتساعدنا عدسة الفنان يوسف كريت المرتوية بشغفها على الإبحار في تفاصيل العديد من المخلوقات، وهي مهمةٌ ليست باليسيرة كون إيقاعها يختلف كلياً عن إيقاعنا البشري الصاخب محتماً عليه التماهي معها والتقاط نبضها لا حركتها ليتسنى له اقتناص لحظةٍ هامة، أو تعبيرٍ ما، أو حتى ردة فعلٍ قد تبدو عادية ً بالنسبة لنا لكنها على أرض الواقع لحظةٌ فارقة تقترب فيها الكائنات من بعضها عبر سلوكياتها الفطرية التي تمارسها بشكلٍ تلقائي وتجعلنا نرى فيها انعكاساً لنا، وربما تغيراً سلبياً يعود إلى تعدي البشر على الطبيعة وهو ما يسبب خللاً يمتد ليشمل أبسط تصرفات الكائنات التي تعيش في حالةٍ من الإضطراب والتقلب، ولولا وجود مصورين محترفين يملكون المهارة والموهبة إلى جانب مختصين في مجالاتٍ متعددة لما استطعنا أن نعرف شيئاٌ عن كل هذه التفاصيل التي تمس حياتنا بشكلٍ مباشر..
وينبغي علينا كمتلقين ومتابعين التعامل بقدرٍ أكبر من الجدية مع هذه الأعمال الفنية، وذلك من خلال تهذيب الذوق وتدريب العين على تذوق ما تراه بعيداً عن النظرة السطحية والعابرة لها وكأنها إعلان تجاري يشاهده أحدنا لثوانٍ ثم يمل منه وهو ما أصبح سمة العصر، متناسين الوقت والجهد المبذول في التحضير للقطةٍ كهذه ومدى اختلاف التعامل مع الحيوان والطبيعة وفرادته، لذا يستحق كل مصورٍ شغوف بما يقدمه تقدير فنه على الأقل من الناحية المعنوية، خاصةً وأنه يوثق للجانب الجميل من بلاده وينقل روحها إلى شعوب العالم كما يقدم المصور الفوتوغرافي المتميز يوسف كريت وطنه الجزائر عبر عدسته الأنيقة، والتي ترينا الصفاء والفطرية اللذين نشتاق إليهما في عيون الكائنات الأخرى لتيقظ الروح من سباتٍ طويل..
يوسف كريت |
خالد جهاد |
Post A Comment: