الأديب المصري / محمد السعيد يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "القضية" 


الأديب المصري / محمد السعيد يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "القضية"


صباح شتوي غائم ،وبلا شعاع شمس واحد يذكر ، برودة قارسة. رأيت نفسي أمشي بلا هدي، وبدون أي فكرة أو نية مسبقة، مرتديا سترة جلدية سوداء ،وبنطال جينز أزرق، و بقدمي حذاء رياضي لونه بيج، أسفل سور  أصفر اللون ،ومرتفع جداً ،بين حشائش وسنابل قمح يافعة ،بجانبي ترعة صغيرة،  تفصل بين تلك الحشائش والأسفلت ،علي الجانب الآخر، جلس رجل بصنارة،  أسفل شجرة  كبيرة يصيد .على الأسفلت ، سيارات تمر بسرعة، وأخرى تأتي على مهل ، عربة كارو، يجرها حمار أبيض كبير  ،في مقدمة الكارو،  تجلس إمرأة حجمها كبير، ترتدي جلبابا من قماش رخيص أخضر اللون ومنقط بالأسود ،  تضع شالا أزرق، يلتف حول الجبهة والعنق،لها صدر عريض وكبير .تقود المرأة الكارو  بمهارة وإقتدار .لا أعرف حقيقة سبب مجيء إلى هذا المكان ؟كأني مستيقظ لتوي هنا ! ،أحاول جاهداً  أن أتذكر، ولكن بلا جدوى. بقع زيتية كبيرة وصغيرة على صدر السور ،وفي أنفي رائحة بول عفن ومقزز ، لدرجة جعلتني أظن أنني، ربما، أتيت هنا لقضاء حاجتي ، أو، ربما ،كنت في سيارة أجرة ، وطلبت من السائق مثلاً أن ينزلني لمغص شديد أصابني ،ربما، هكذا فكرت ،لا أدري! .ياله من فراغ قاس ، خاصة عندما ينحصر سؤلك الوجودي في معرفة ما إذا كنت قد أتيت هذا المكان البعيد لقضاء حاجتك ؟من عدمه ؟ ولا  تملك إجابة شافية ،أي حيرة تلك !. تقدمت خطوات بحذاء السور ،  والأسئلة فوق رأسي كالمطر الذي لايريد أن يتوقف، حتي وجدتني بجانب بوابة حديدية كبيرة جداً، توقفت مستطلعا ومستغربا في آن واحد ، إلي أن فتحت  من تلقاء نفسها! ، على الرغم من أني لم أضغط لا  جرسا ، ولا ناديت أحدا. لم أفكر  كثيراً فيما حدث، دخلت فوجدت أخوتي ،وأبناء العمومة ،ومعظم الأقارب،  جميعهم موجودون،  ويلعبون الكرة ويصيحون في باحة فسيحة خضراء، وهم غاية في السعادة والمرح.  جاءني البواب يجري من الداخل بجلبابه الرمادي اللون وطاقيته البنية ،وهو يلهث  :أهلاً بك حماده بك ،حمد لله علي سلامتك يا غالي ...مبارك عليك وعلي العائلة. ثم وقف أمامي مباشرة وقال :هذا بيتكم الجديد، ثم أشار بيده إلي لوحة أعلى مبنى من أربعة طوابق كتب عليها (قشاشه للاقطان والأحذية الجلد ) ثم أتبع البواب قائلاً :مبارك  ..مبارك عليكم يا بك ، العائلة كسبت القضية ،  وأصبح المصنع من أملاكها بحكم المحكمة !،  وقد قرر مجلس إدارة العائلة تحويل المصنع إلي بيت كبير،  يشمل  العائلة من شرقها إلي غربها ،ثم أشار إلي أن أتبعه ،فسرت خلفه تاركا إخوتي،وأقاربي،  يلعبون الكرة دون أن أقول لهم أي شيء، ودون أن يأبهوا - هم - لوجودي .صعدنا سلم المصنع حتي الطابق الأخير ،ثم قال البواب :هذا الدور خاص بك وحدك يا بك ، وقد صدر ، أخيراً،  قراراً من مجلس إدارة العائلة  ،بترقيتك إلى مشرف ومراقب عام علي أملاك العائلة في مصر وأوروبا وأمريكا اللاتينية !. ثم نادي وهو يصفق مرة واحدة :تفيدة. .. تفيدة ، فلم يرد أحد ، ثم إلتفت نحوي وقال: أفتح الغرفة الأولى يا حماده بك فهي لك  ،ذهبت لفتح الغرفة، فوجدت إمرأة تلبس قميصا شفافا لونه أحمر، وتمسح الغرفة بخيشة بنية اللون ، جسدها يهتز كقطعة ملبن،  شملتني نشوة عظيمة عندما رأيتها ،ورغبت في أعماقي أن تستمر في عملها دون أن تلتفت لوجودي ،لكنها ،مع الأسف ،شعرت بي وإستدارت واقفة ، وهي تمسح يديها برقة ونعومة في القميص   .

قلت لها مداريا حزني :أنت اذن تفيدة ؟! مرحبا.... مرحبا 

قالت بدلال :نعم ياحماده بك ، أنا أمينة السر الخاصة بك  .

شكرتها، بأدب، من قلبي ،ثم رجوتها أن تعد لنا حلة محشي ودجاجة محمرة، وطلبت منها ، وأنا أكاد أبكى من شدة تأثري بجسدها الفاتن ، ألا تنسي السلاطة والمخلل!.




Share To: