▪️لماذا يدعو الإنسان ولا يستجاب له ؟ | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف 


لماذا يدعو الإنسان ولا يستجاب له ؟ | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف




 يقول الله عزَّ وجلَّ : 


{وَقَالَ رَبُّكُـمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} 


غافر: 06]


هذه الاية الكريمة التي وعد الله تعالى فيها من دعاه بأن يستجيب له .


وهناك شروطًا لابد أن تتحقق لإجابة الدعاء :


#الإخلاص لله عزَّ وجلَّ بأن يخلص الإنسان في دعائه فيتجه إلى الله سبحانه وتعالى بقلب حاضر صادق في اللجوء إليه عالم بأنه عزَّ وجلَّ قادر على إجابة الدعوة، مؤمل الإجابة من الله سبحانه وتعالى.


#أن يشعر الإنسان حال دعائه بأنه في أمس الحاجة ؛ بل في أمس الضرورة إلى الله سبحانه وتعالى، وأن الله تعالى وحده هو الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.


أما أن يدعو الله عزَّ وجلَّ وهو يشعر بأنه مستغنٍ عن الله سبحانه وتعالى وليس في ضرورة إليه وإنما يسأل هكذا عادة فقط أو للتجربة فإن هذا ليس بحري بالإِجابة.


#أن يكون متجنبًا لأكل الحرام فإنَّ أكل الحرام حائل بين الإنسان والإجابة كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: 


إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: 


{يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ للَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} 


البقرة: 271


وقال تعالى : 


{يأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} 


المؤمنون:15


ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلّم الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذِّي بالحرام قال النبي صلى الله عليه وسلّم:


فأنى يستجاب لذلك .


فاستبعد النبي صلى الله عليه وسلّم أن يستجاب لهذا الرجل الذي قام بالأسباب الظاهرة التي بها تستجلب الإجابة وهي :


رفع اليدين إلى السماء أي إلى الله عزَّ وجلَّ لأنه تعالى في السماء فوق العرش، ومد اليد إلى الله عزَّ وجلَّ من أسباب الإجابة كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند: 


إن الله حييّ كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صِفْرًا 


هذا الرجل دعا الله تعالى باسم الرب «يا رب يا رب» والتوسل إلى الله تعالى بهذا الاسم من أسباب الإجابة ؛ لأن الرب هو الخالق المالك المدبر لجميع الأمور فبيده مقاليد السموات والأرض ولهذا تجد أكثر الدعاء الوارد في القرآن الكريم بهذا الاسم: 


{رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ * فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّنذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّه ُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} 


آل عمران: 391 ـ 591


فالتوسل إلى الله تعالى بهذا الاسم من أسباب الإجابة.


هذا الرجل كان مسافرًا والسفر غالبًا من أسباب الإجابة؛ لأن الإنسان في السفر يشعر بالحاجة إلى الله عزَّ وجلَّ والضرورة إليه أكثر مما إذا كان مقيمًا في أهله، لاسيما في الزمن السابق (وأشعث أغبر) كأنه غير مَعْنِي بنفسه كأن أهم شيء عنده أن يلتجىء إلى الله ويدعوه على أي حال كان هو، سواء كان أشعث أغبر أم مترفًا، والشعث والغبر له أثر في الإجابة كما في الحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلّم :


أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا عشية عرفة يباهي الملائكة بالواقفين فيها يقول أتوني شعثا غُبْرًا ضاحين من كل فج عميق .


هذه الأسباب لإجابة الدعاء لم تُجْدِ شيئًا لكون مطعمه حرامًا وملبسه حرامًا وغذِّي بالحرام 


قال النبي صلى الله عليه وسلّم: 


فأنى يستجاب لذلك


 فهذه الشروط لإجابة الدعاء إذا لم تتوافر فإن الإجابة تبدو بعيدة، فإذا توافرت ولم يستجب الله للداعي فإنما ذلك لحكمة يعلمها الله عزَّ وجلَّ ولا يعلمها هذا الداعي فعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم وإذا تمت هذه الشروط ولم يستجب الله عزَّ وجلَّ فإنه إما أن يدفع عنه من السوء ما هو أعظم، وإما أن يدخرها له يوم القيامة فيوفيه الأجر أكثر وأكثر؛ لأن هذا الداعي الذي دعا بتوفر الشروط ولم يستجب له ولم يصرف عنه من السوء ما هو أعظم يكون قد فعل الأسباب ومُنِعَ الجواب لحكمة فيعطى الأجر مرتين مرة على دعائه ومرة على مصيبته بعدم الإجابة فيدخر له عند الله عزَّ وجلَّ ما هو أعظم وأكمل. 


ثم إن المهم أيضًا أن لا يستبطىء الإنسان الإجابة فإن هذا من أسباب منع الإجابة كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلّم: 


يستجاب لأحدكم ما لم يعجل قالوا: كيف يعجل يا رسول الله ؟ 

قال: يقول: دعوت ودعوت ودعوت فلم يستجب لي .


فلا ينبغي للإنسان أن يستبطىء الإجابة فيستحسر عن الدعاء ويَدَع الدعاء بل يلح في الدعاء فإن كل دعوة تدعو بها الله عزَّ وجلَّ فإنها عبادة تقربك إلى الله عزَّ وجلَّ وتزيدك أجرًا فعليك بدعاء الله عزَّ وجلَّ في كل أمورك العامة والخاصة الشديدة واليسيرة ولو لم يكن من الدعاء إلا أنه عبادة لله سبحانه وتعالى لكان جديرًا بالمرء أن يحرص عليه 


سئل إبراهيم بن أدهم: مالنا ندعو فلا يستجاب لنا ؟

حكي أن إبراهيم بن أدهم رحمه الله مر بسوق البصرة فاجتمع الناس إليه وقالوا له: يا أبا إسحاق مالنا ندعو فلا يستجاب لنا ؟


قال: لأن قلوبكم ماتت بعشرة أشياء :


الأول : عرفتم الله ولم تؤدوا حقه .


الثـاني: زعمتم أنكم تحبون رسول الله, صلى الله عليه وسلم, وتركتم سنته .


الثـالث: قرأتم القرآن فلم تعملوا به .


الرابـع: أكلتم نعم الله ولم تؤدوا شكرها .


الخامس: قلتم إن الشيطان عدو لكم ولم تخالفوه .


السادس: قلتم إن الجنة حق ولم تعملوا لها .


السـابع: قلتم إن النار حق ولم تهربوا منها .


الثـامن: قلتم إن الموت حق ولم تستعدوا له .


التـاسع: انتبهتم من النوم فاشتغلتم بعيوب الناس ونسيتم عيوبكم .


العـاشر: دفنتم موتاكم ولم تعتبروا بهم .

Share To: