المهمة الشاقة | بقلم الأديبة المصرية خلود أيمن
السلام عليكم ،
كانت على فراش الموت تنتحب ، تبكي بحُرقة تحرق أحشاءها فلمَنْ تترك هؤلاء الصغار بعد أنْ رحل والدهم العام السابق وقد اعتراها ذلك المرض الدخيل فور موته ، مَنْ سيتمكن من رعاية أبنائها والحفاظ عليهم من شرور الحياة وضراوتها وقساوة بعض البشر ، مَنْ سيقوم بذلك الدور بدلاً منها ، الكثير من التساؤلات التي راودتها وقتما كانت تنظر لتلك الفتاة التي تبلغ الثامنة عشر من العمر حينما كانت تناوِلها جرعة الدواء التي أقرها لها الطبيب المعالج ، فقد أصابها الخوف الشديد في تلك اللحظة خشية الموت الذي قد يقذف بها ويطيح بحياة هؤلاء الصغار في مسار لا تعلمه فهو في علم الغيب ولكنها سلَّمت أمورها لله و قررت أنْ تبتعد عن تلك الأفكار المأسوية السوداء وتلتفت لصحتها وتحاول الالتزام بذلك العلاج الذي نصحها به الطبيب حتى تُشفَى وتستعيد عافيتها حتى تتمكن من مواصلة تلك الحياة ورعاية الأبناء بذاتها ، فما أنْ خرجت تلك الفتاة من الحجرة حتى نظرت الأم من الشرفة وأطالت النظر للسماء رافعة يديها تدعو الله وتبتهل وتتوسل وتتضرع إليه أنْ يُطيل عمرها بالقَدْر الذي يسمح لها بتوجيه هؤلاء الصغار وتعليمهم ما يُمكِّنهم من الخوض في الحياة بالشكل السليم الذي يجعلهم ينالون رضا الله ولا يقعون في الذنوب والمعاصي بلا رغبة في التوبة والعودة لرُشدِهم ، أنْ يمدها بتلك الفترة التي تقف فيها إلى جوارهم حتى يشتد عودهم وتُصلَب ظهورهم ويتمكنون من الاعتماد على أنفسهم بعض الشيء ثم خلدت إلى النوم ولم يتركها سيل تلك الأفكار البغيضة أو يتوقف للتو فقررت الاستسلام للسُبات العميق ، وفي اليوم التالي قَدِمت الفتاة وكانت قد انتهت لتوِّها من اجتياز الاختبار وقد أبلت فيه بلاءً حسناً واطمأنت الوالدة على مستقبلها المهني والعلمي بتلك الدرجات التي حصَّلتها في الآونة الأخيرة ، وتأكدت أنها قادرة على نقل قدراتها وذكائها لبقية الأخوة فسوف تتمكن من أداء تلك المهمة على أكمل وجه ، فما زال ذلك الأمر يؤرقها وتخشاه ، تخاف أنْ يسرق العمر أيامها سريعاً ويُصاب الأبناء باليُتم من جهة الأب والأم ، ولكنها كانت تعود لله مرة ومرات كثيرة حتى تتمكن من الخلاص من ذلك الرعب والفزع الذي تخلَّل قلبها وتمكَّن منه بقوة ، وكانت تبكي ذات مرة فاستشعرت ابنتها ذلك الأمر ودلفت من باب الحجرة وسألتها عن حالها وهل ما زالت تشعر بأي تعب أو زادت عوارض المرض ؟ ، أجابتها بالنفي ولكنها كانت تخشى بعض الأمور فحسب ، فهدَّأت الفتاة من روعها وقامت تُحضِّر لها بعض القوت الذي يُمكِّنها من الصمود أمام ذلك المرض اللعين بل وهزيمته والشفاء منه في القريب العاجل بمشيئة الله ، و دَعَت الله كثيراً في طريقها للمطبخ بأنْ يُخلِّصهم من تلك المحنة التي لم تكن قادرة على تصديها بمفردها ولكنها كانت بحاجة لمَنْ يقويها ويساعدها ، فلقد زاد الحِمل عليها كثيراً فهي ما زالت صغيرة على كل ما تتعرض له منذ فقدها لأبيها ولكن لم يكن أمامها سوى الاستكمال ، أطعمت أمها و استكملت مذاكرتها وذهبت لتأدية الامتحان وبعد فترة لم تكن بوجيزة ظهرت النتيجة التي ترقبها الجميع في توتر وقلق وقد كانت مُبشرة مذهلة مبهرة فاقت توقعات الجميع وسط تلك الظروف العصيبة التي كانت الفتاة تمر بها ، فلقد حصلت على درجات رفيعة في كل المواد وتمكَّنت من الالتحاق بتلك الجامعة التي كانت تحلُم بها ، فلم يكن حُلمها وحدها ولكنه كان حلم أبيها وأمها أيضاً وكانت فخورة جداً بتحقيقه وهذا ما عوَّض صبرها بكل الخير ، فلم تذهب جهودها هباءً وهذا وعد الله للبشر أجمعين كما تهللت أساريرهم حينما تعافت الأم من مرضها تماماً وكأنه لم يكن وبذلك عمَّت السعادة الأسرة كلها بفعل صبرهم وصمودهم أمام البلاء والكرب ...
Post A Comment: