حديث الجمعة | رحمةمهداة 6 بقلم فضيلة الشيخ أنور توفيق موجه الوعظ بالأزهر الشريف 


حديث الجمعة | رحمةمهداة 6 بقلم فضيلة الشيخ أنور توفيق موجه الوعظ بالأزهر الشريف


أيها إلقارئ الكريم حدثتك فى الجمعة الماضية عن بعض من كونه صلى الله عليه وسلم رحمة مهداة وذكرت لك غيضٌ من فيض وقليل من كثير من رحمته صلى الله عليه وسلم بالأطفال واليوم بإذن الله تعالى أحدثك عن رحمته صلى الله عليه وسلم فى بعثته ورسالته

زين الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم بزينة الرحمة، فكان كونه رحمة، وجميع شمائله وصفاته رحمة على الخلق، فمن أصابه شيء من رحمته فهو الناجى في الدارين من كل مكروه، والواصل فيهما إلى كل محبوب، ألا ترى أن الله تعالى يقول (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)الأنبياء ١٠٧

هذه الكلمة نقلها القاضي عياض في كتاب الشفا. بعثة خير الأنام، وسيد ولد آدم دون فخر، رسمت بداية الوحى الإلهى على الرسول صلى الله عليه وسلم لإنقاذ الناس من هوة الضلال وضيق الدنيا إلى نور الهداية وسعة الدنيا والآخرة، إن بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم اتسمت بالرحمة، وهي مقصد عال كما بين ذلك القرآن الكريم بعبارته المجملة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء ١٠٧ وتشمل هذه الرحمة البشرية جمعاء، وأتت لفظة (رحمة) في الآية نكرة لإرادة التعظيم فكأن الرحمة تخلقت فى ذاته صلى الله عليه وسلم وانحصرت له، حتى صارت سجيته صلى الله عليه وسلم متمكنة فيه، فهو صلوات الله عليه وسلامه في قوله وفعله، وحاله وتصرفه، وقلبه وقالبه رحمة، وهو القائل عن نفسه : (إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ) أخرجه الدارمي وابن أبى شيبة بسند صحيح

  وإن مظاهر هذا المقصد العالى تلوح لنا من جانبين حسب ما ذكره العلامة ابن عاشور: – الجانب الأول: تخلق نفسه صلى الله عليه وسلم الزكية بخلق الرحمة – الجانب الثانى: إحاطة الرحمة بتصاريف شريعته. كان عليه السلام شديد الرأفة والرحمة بعباد الله المؤمنين، ويرفق بهم، في القيام ببعض الطاعات، وأوضح أمثلة على ذلك كثرة الأحاديث التي بدأت بقوله صلى الله عليه وسلم (لولا أن أشق على أمتى.. ) والمقصد الأول هنا – وهو خلقه عليه الصلاة والسلام – يمكن وصفه بالمقاصد الخلقية، فإن الله جبل نبيه صلى الله عليه وسلم على خلق الرحمة واختصه بالذكر بمعانيه ومشتقاته في كتابه العزيز، وشرفه الله سبحانه بالرحمة في مقام الرسالة دون غيرها من أوصافه الأخرى الشريفة، وذلك لتتناسب سيرته وحياته بدعوته ورسالته، قال ابن عاشور في التحرير: إن محمدا صلى الله عليه وسلم فطر على خلق الرحمة في جميع أحوال معاملته الأمة لتتكون مناسبة بين روحه الزكية وبين ما يلقى إليه من الوحي بشريعته التى هى رحمة، حتى يكون تلقيه الشريعة عن انشراح نفس أن يجد ما يوحى به إليه ملائما رغبته وخلقه، لذلك قالت عائشة: (كان خلقه القرآن). فكانت رحمته صلى الله عليه وسلم تشمل المؤمنين وغيرهم

قال تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) التوبة ١٢٨  فكان عليه السلام شديد الرأفة والرحمة بعباد الله المؤمنين، ويرفق بهم، في القيام ببعض الطاعات، وأوضح أمثلة على ذلك كثرة الأحاديث التي بدأت بقوله صلى الله عليه وسلم (لولا أن أشق على أمتى.. )، وذلك في مواطن .. في السواك مع كل وضوء، وفى الوضوء مع كل صلاة، وفى الخروج مع كل سرية تجاهد في سبيل الله.. وكان من مظاهر رحمته أنه ترك هذه الأفعال مخافة العنت على أمته، وجمع شملها، وتحبيب الإسلام إلى قلوب المؤمنين. وكان من رفقه أنه يلاطف الصغير، ويلين الكلام للكبير، ويأخذ بيد السفهاء بالإعراض عن سفاهتهم، ولو كان الرسول على غير هذه الصفة، فكان فظا متشددا – وحاشاه – كان أدعى للتفرقة والتنفير، ولم تقم لأمته قائمة، يقول الله : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ) آل عمران  ١٥٩ ذكر القرآن هاتين الصفتين في مقابلة الرحمة،  أحدهما: التهور المشار إليه بالفظاظة، وسوء الأخلاق المرموز إليه بغلظ القلب، لأن قساوة القلب وعدم تأثره يتبعها كل صفة ذميمة، وأبعد القلوب عن الله تعالى القلوب القاسية كما أشار الألوسى في روح المعانى. ورحمته هذه امتدت إلى أعدائه من الكفار، فكان عليه الصلاة والسلام يعاملهم بالحسنى، ويقابل أخلاقهم السيئة بدماثة ورقة، ففى حديث مسلم: أن رسول الله لما شج وجهه يوم أحد شق ذلك على أصحابه فقالوا: لو دعوت عليهم فقال: «إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة صلى الله عليه وسلم 

هذا ولا يزال الحديث موصولا عن الرحمة المهداة فى الجمعة القادمة حول ترسيخ مبدأ الرحمة فى مبدأ رسالته صلى الله عليه وسلم 



Share To: