أَلَفْ النِعَم | بقلم الأديبة المصرية خلود أيمن 


أَلَفْ النِعَم | بقلم الأديبة المصرية خلود أيمن


السلام عليكم  ، أَلَفْ النِعَم :  

حينما يألف المرء النِعم يكاد يشعر بوجودها أو يُقدِّر قيمتها  وكأنه يستنكر رغباته الدفينة وحروبه الضروسة مع الحياة لحين الوصول إليها ، فهكذا هو حال البعض جاحد ناكر لفضل الله الذي ظل يدعوه ويسعى لتحقيق تلك الأمور التي وهبه إياها ، فاعتياد توافر النِعَم قد يُحيل الإنسان لكنود لا يرى كم تلك العطايا التي تزخر بها حياته فيصبح غير قادر على الشكر وتقديم العرفان والامتنان لواهب تلك النِعم التي قد تذهب منه في إغماضة عين إنْ لم يمتلك مَلكة الشكر وهذا ينطبق بحذافيره على العلاقات بين البشر ، فاعتياد المرء وجود شخص بعينه قد يجعله يتوهم أنه صار حقاً مكتسباً فلا يشعر بكم التضحيات التي يُقدِّمها له ، كم العطاء الذي يمنحه إياه ، كم الحب الذي يجود به عليه ، فيفقد زهوه ورونقه بالتدريج ويكاد يُرى في خضم تلك الانشغالات الأخرى التي صارت تُهم هؤلاء البشر الأنذال الذين لا يعترفون بفضل غيرهم أو قدرهم في حياتهم أو دورهم الفعال الذي ساهموا في تقديمه دون انتظار لمقابل سوى رضاهم وسعادتهم قط ، لذا على الجميع أنْ يضعوا تلك النقاط بعين الاعتبار حتى لا يندموا وقت خسارة مَنْ يحبونهم بِحَقْ وسط تلك المصالح التي صارت تطغى على معظم العلاقات ، فإنْ وجدت مَنْ تشعر معه بالأُنس والراحة فلتتشبث به قدر الإمكان ولتحاول إعطاءه بنفس القدر حتى لا تفقده وتزداد خسائرك يوماً تلو الآخر حتى تصير وحيداً ذات يوم ولن تشعر بذلك إلا حين تتذوق مرارة الوحدة وتتذكر تلك الأيام وترغب في استعادة لحظة واحدة منها ولكن هيهات فلقد مرّ الوقت وفات الأوان على تَحقُّق تلك الأمنيات المُحالة فأنت مَنْ ساهمت في ضياع تلك العلاقات المُثمِرة التي لا تتكرر مطلقاً ولا تأتي سوى مرة نادرة في العمر والذكي هو مَنْ يستشفها ويحاول الحفاظ عليها بكل مقدوره قبل أنْ يُخيِّم عليه شبح الوحدة لبقية حياته ويصبح نادماً على ما أصابه بفعل تهاونه وعدم اكتراثه بالاهتمام المُقدَّم من قِبَل الصادقين الذين مروا بتاريخ حياته ولكنه لم يكن يلتفت إليهم ذات مرة وهذا أسوأ ما في الاعتياد ، وعلى الصعيد الآخر يكون التأثير مضاعفاً على الطرف الآخر المعطاء فهو يرحل بلا عودة شاعراً بالخِزي والخذلان وإهدار الوقت مع مَنْ لم يكن يستحق ، فربما رغب في أنْ يُقدِّره أحد أو يشعر بقيمته قبل فقدانه للأبد بفعل الإهمال المُتعَمد المُتكرِّر الذي أصابه بالضيق والامتعاض والرغبة في الفرار من تلك العلاقة المؤذية التي تسير المشاعر فيها في اتجاه واحد فقط وهو الخاسر فيها دائماً بلا أي شعور بالتقدير أو الرحمة على أقل حال ، فهكذا تسير أغلب العلاقات في وقتنا الراهن وما باليد حيلة لذا لا بد أنْ يعطي كل طرف بقدر ما يأخذ حتى لا يستنزف طاقته بلا طائل ...




Share To: