الدين النصيحة.. | بقلم الأديب المصري حسين صلاح حسين 


الدين النصيحة.. | بقلم الأديب المصري حسين صلاح حسين


مر علي موقف أستوقفني، ولم يخرج من ذاكرتي من يومها، موقف أسعد الخاطر وقلت في نفسي من يومها: (لسه الدنيا بخير) في ظل هذه الأيام التي تعج بالمعاصي وتردي الأخلاق، والانحلال والمنكرات ومعيشتنا المخزية والكم الهائل من التفاهة التي تحاوطنا ما زال فينا من ينصح ومن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ما زال فينا من يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة. 


 كنت جالساً في الكرسي الخلفي من الميكروباص وفي طريقي إلى البيت عائداً من الكلية جاورني شاب من بداية الطريق مهاتفاً صديقه على ما يبدو طيلة الطريق، هذا الشاب الذي كشف ستر الله عليه يكاد صوته يُسمع دون معاناة نظراً لانفعاله، حاولت مراراً وتكراراً أن أتجاهل وألا أسمع لكني سمعت بعض الأشياء من هذا الحديث المطول، وبعدما انتهى هذا الشاب من مهاتفة صديقه ونحن على مشارف الوصول إلى وجهتنا، قال له عجوز فجأةً: 

_ اتق الله يا بني وإياك أن تفعل ذلك مرة أخرى.. 

رد الشاب مبرراً وظل يحاول ان يقنع العجوز والرجل الذي يجاوره وتردد عبارته: 

( معملتش كدا أبداً، مكنش قصدي كدا، لم أسرق ) وأشياء أخرى ظل يرددها بلا توقف.. 

رد العجوز قائلاً: 

_ اتق الله يا بني، يوم لا ينفع مال ولا بنون.. 

ورد من يجاوره:

_ إلا من أتى الله بقلب سليم.. 

قال العجوز: 

ما أخذته سيعود عليك بالشر، والشر مبيجبش إلا الشر.. 

وضع الشاب يده على رأسه وتوقف عن الحديث وهو في حالة من الحزن واليأس والندم على حاله وعلى ما فعله، يكاد الجفن أن يتساقط منه الدمع، فهذا الشاب على ما يبدو سرق وصاحبه سرق منه هذا الشيء المسروق على ما فهمته، وتوعد الشاب أن يرجع إليه ويفعل بالسارق كذا وكذا وأن يفعل الشر. 


على ما يبدو أن الشاب عنف قلبه على ما بدا منه والله أعلم بما في الصدور فقد ظهرت عليه علامات التوبة ومن حديثه نادماً على ما فعل، وأما عن الرجل الذي وجه النصيحة لم يخطئ وأراد تعريف هذا الشاب بخطأه ولم يسكت على هذا المنكر وحاول إبعاد هذا الشاب عن الشر وعن هذا الطريق السيء.


حينما تتمعن في هذه الأيام تجد الجميع تصيبه حالة من الخرس تجاه ما يواجهنا من أمور جمة تفاقمت من ابتعاد الناس عن النصيحة ولزوم الصمت وتفضيله عن النصيحة، فأصبح الجميع يقول في نفسه تجاه هذه الأمور بلغتنا العامية (وأنا مالي أجيب لنفسي الشتيمة والضرب ليه). 


نرَ في هذه الايام مشاهد قبيحة متنوعة تصور وتنشر بين الناس ويتناقلها الجميع فتجد التعليقات السخيفة والاستهزائات السيئة بعيداً عن النصح وما يظهر في هذه المقاطع تجاه هذه الواقعة أن الناس يرونها ولا يتحدثون ولا يقول حتى لما فعلت كذا يا فلان أو حتى اتقى الله وترَ سخرية وتفاهة من صور المشهد هذا بعينه ولم يستر أخاه حتى وأراد من هذا ما يعرف بالترند، فكان من باب أولى نصح مرتكب هذا الشيء. 


نرَ في المواصلات والأماكن العامة صوراً متعددة لهذا السوء، كشخص يفعل إثم أو شيء محرم أمام أعين الناس، أو من يشغل الموسيقى مع القرآن في نفس الوقت وقد كثر هذا، أو من يسرق، أو الكلمات القبيحة وسب الدين والالفاظ البذيئة التي تخرج من الأفواه الصغير قبل الكبير، أو من يتطاول على عجوز، أو  وما أكثرها في شوارعنا، كل هذا لا يلقى منا سوى التسليم ورؤية المشاهد وعدم نصح فاعلها وتداولها بين الناس واذاعتها كمقطع مصور بين عامة الشعب على مواقع التواصل الاجتماعي ومن هنا تكاثرت الفتن والخبث فأصبحت تأخذ منحنى سيئ ضاراً على الأمة، فبدون النصح يعتقد هذا المذنب أنه على خطأ فيماطل ويماطل في هذه الأفعال ويزداد سوء ويعتاد عليها دون أن يجد من ينصحه أو من ينكر هذا الفعل. 


 علينا بالنصيحة فالدين النصيحة كما تعلمون؛ عن تميم بن أوس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟؟

 قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه البخاري ومسلم. (١)


فضلنا الله على الأمم وجعلنا خير أمة أخرجت للناس؛ نأمر بالمعروف ووننهى عن المنكر، ودعانا الله عز وجل في كتابه العزيز فقال: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ" النحل- آية ١٢٥ إلى أخر الآية، وأن ندعو أيضاً إلى ما فيه الصّلاح، والنّهي عمّا فيه الفساد، والله يقول أيضاً: "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ"  سورة آل عمران- آية (104). 


عليك بالنصح ولا تخشى أي شيء فما أتاك من سوء بنصحك هذا وفعلك للخير فتلك ضريبة الجنة، فعليك بالنصح والدعوة بالمعروف والنهي عن المنكر. 


لا تيأس إذا قال لك شخص عليك بنفسك أو كما تقال في العامية (خليك في نفسك) فهذا من أبغض الكلام إلى عز وجل؛ "أبغض الكلام إلى الله أن يقول الرجل للرجل: اتق الله، فيقول: عليك بنفسك". (٢) 


فساد الأمة وانتشار الفسق والمنكر والفتن المكثارة التي لا تعد ولا تحصى من عدم النصح ورؤية المنكر وعدم وقفه أو حتى نبذه أو النهي عن هذا الفعل، فرأينا رأي العين المنكر والأفعال البذيئة ولم نطبق ما قاله رسولنا الكريم فعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رأى منكم منكرًا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم


فحتى قلوب البعض من حديثها أو سخافتها تجاه هذا المنكر لا يدل أنها ناكرة له إنما فرحةً بما يحدث وبعضهم من يحاول نشر هذا المنكر وإذاعته بين الناس وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ليس ليتعظوا أو حتى لينصح الناس بألا يفعلوا هذا الفعل إطلاقاً بل إنما ليكشف ستر الله عليهم ويفضح الناس وليأخذ الشهرة واللقطة وما أكثرهم. 


على الأمة النصح لما فيه الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن ينصح لا يلتفت ولا ييأس ولا يتبع سبيل المضلين الحاقدين له ولدعوته المصلحة فالناس بطبيعتهم لا يحبون المصلح فكن داعياً للخير وناهياً عن المنكر وأمراً بالمعروف، فمن لم يهتم بقضايا المسلمين وما يخصهم وما يشاع بينهم وما في الأمة من مصائب وفتن فليس منهم، فعليك كمسلم الوعظ والارشاد وا الواجب الرباني ومن هنا ينصلح حال الأمة ويرتد العاصي والمذنب والخاطئ عما يفعل وهكذا تعلو الأمة ويندثر المنكر بهذا الخير. 


_________________

(١) الراوي: أبو هريرة | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح النسائي | الصفحة أو الرقم: 4210 | خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح.


(٢) الراوي: عبدالله بن مسعود | المحدث: الألباني | المصدر: السلسلة الصحيحة | الصفحة أو الرقم: 2939 | خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح رجاله ثقات | التخريج: أخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (10685)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (630)، وقوام السنة في ((الترغيب والترهيب)) (766). 

_______________________

 



Share To: