حكاية ما قبل النوم | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد 


حكاية ما قبل النوم | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد




حكاية ما قبل النوم | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد
اللوحة للفنانة السورية فيفيان الصايغ

وتركتي لي دميتكِ.. بعضاً من عطركِ، ظلاً أبيضاً لا نهاية له مثل غربتي، صوتاً غائراً كجرح، وبضعاً من الأحلام التي تمنيت أن نعيشها سوياً، أخذتي معكِ مواسم التوت وأوراقه فاختفى الحرير من الوجود، هجرت الحساسين صباحاتي، أصبح للقهوة أسماءٌ كثيرة مع أنها باتت بلا طعم، وتراكم الحنين على متن سفينتي حتى أغرقها وطفوت وحيداً فوق وسادتي، تتقاذفني الحروف والذكريات والكثير من الأيدي التي تركها أصحابها طوعاً كي لا تصافح الغرباء، منكسراً كقطعة زجاج.. حادة الأطراف ومهشمة الأعماق..


أبحث عن طفولتي في ابتسامتكِ التي تؤلمني، عبر صورةٍ زحفت التجاعيد عليها وبرزت الشقوق على صفحتها لكثرة ما استرقت النظر إليها كلما خلوت بذاتي، صوتكِ كان جزءًا من حكايتي المبتورة..كان يتسلل إلى قلبي كأشعة الشمس التي تباغت ليلي ويمسح على ندبتي فيخفيها، وكنت أرى كلماته تتشكل أمام عيني، مجنحاً كحمامةٍ أشاركها قمحي ومائي، تحط على كتفي، تشرب من كفي، تعانق روحي وتحلق في سمائي..


تلك السماء التي ينبعث وجهكِ من بين غيومها ليزيل عن حاضري وحشته ويعيدني إلى حيث أردت أن أكون، بين ألواني وطيوري، خلف نافذةٍ أرى بها العالم خارج الإطار وخارج النص، أشيد جدرانه من قصائدي، أرصف شوارعه بحروفي وأسقفه بحكاياتي، تلك التي لم تستطيعي حملها معكِ، تلك التي تبقت مني ومنكِ.. في عالمٍ يقرأ نوتة الضجيج، يسبح في بركةٍ من الأكاذيب، يعيش بين شائعةٍ وخبر وما من مكانٍ فيه للحكايا، ما من حضنٍ يضم الدمى، ما من سماءٍ تتسع لأسراب العصافير وبالونات الأعياد، من منا يعيش الحقيقة ومن منا يناجي السراب، في زمن تصبغه الوحدة وبيوتٌ ينقصها باب، يستر أحزان مآقينا، يحجبها عن قلبٍ غاب..وغابت معه برائتنا، لهفتنا، دهشتنا، أمنياتنا الأولى وحتى دمعتنا التي لم تعد تسعها الروح أو المكان..


أضحت مظلتي سلاحي الوحيد فعلقتها فوق سريري، حطمت هاتفي وأوصدت قلبي بإحكام، لففت نفسي كرضيعٍ في المهد، وأغلقت عيني لساعات ٍ دون أن أنام، لا الليل ينتهي ولا الأرق، لم تتصلي بي بعد، لم تطرقي بابي رغم أنني غيرت عنواني، ضلت الأحلام طريقها إلي، ولد الصمت صمتاً جديداً وفقدت الشمس رغبتها في الشروق وأوصتني بالبحث عن نهار في مكان آخر لا أزعجها فيه، فأمسكت قلمي وكتبت كثيراً لكن الصفحة ظلت ناصعة البياض، وكلما حاولت القراءة سقط الكتاب من بين يدي، تذكرت أنني بحاجةٍ لمن يحكي لي حكايةً حتى أنام، أي حكايةٍ لا تشبه حكايتي، تنثر بعض بذور السلام  في مخيلتي التي ازدحمت بملامح الخريف وعواصف الشتاء، لم يعد هناك وقت للخجل فالعمر يمضي والنفس تذوي.. تذوب كشمعةٍ على عتبات السهاد.. أشتاق إلى صوتٍ دافىء يرافقني حتى الطفولة.. لأغفو على نغم الإبحار في سردٍ بلا شواطئ.. فكم منا يحلم بالحكايا ويرحل قبل أن تبدأ.. كان ياما كان.. كان هناك حبيبان.. جمعهما قدر وفرقهما قدر.. ولم يعد لكليهما قلب ولا عنوان..


خالد جهاد..




Share To: