في شهر رمضان | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
فِي شَهْرِ رَمَضَانَ
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ .
مَا ظَنُّكُمْ بِهَذِهِ الفَرْحَةِ ، فَرْحَةِ المُؤْمِنِ عِنْدَ فِطْرِهِ ، هَلْ هِيَ فَرْحَةُ أكْلٍ وَشُرْبٍ ، هَلْ فَرِحَ حِينَمَا فُسِحَ لَهُ المَجَالُ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُقَيَّداً ، لَوْ أَنَّ المُؤْمِنَ تَعَمَّدَ وَأكَلَ أَوْ شَرِبَ بِدُونِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ ، قَبْلَ المَغْرِبِ بِعَشْرِ دَقَائِقَ فَقَطْ ، هَلْ تَحْصُلُ لَهُ هَذِهِ الفَرْحَةُ ؟
لَا وَاللهِ لَنْ تَحْصُلَ لَهُ ، إِنَّمَا يَشْعُرُ بِالضِّيقِ وَالأَسَى وَالحَسْرَةِ ، فَمَا هُوَ سِرُّ تِلْكَ الفَرْحَةِ يَا تُرَى ؟
إِنَّ تِلْكَ الفَرْحَةَ هِيَ فَرْحَةُ الإِنْتِصَارِ عَلَى النَّفْسِ ، وَالتَّفَوُّقُ عَلَى الهَوَى ، وَالفَوْزُ بِالأَجْرِ ، إِنَّهَا لَذَّةُ الطَّاعَةِ ، وَإِتْمَامُ الصِّيَامِ ، إِنَّهَا نَشْوَةُ الإِنْتِصَارِ عَلَى عَدُوِّ اللهِ الشَّيْطَانِ ، إِنَّهَا وَإِيمَ اللهِ الوُقُوفُ عَلَى قِمَّةِ العُبُودِيَّةِ وَشَرَفِ الإِنْتِمَاءِ لِلْإِسْلَامِ عَقِيدَةً وَعَمَلاً ، إِنَّهَا أَسْمَى مَعَانِي الإِسْتِسْلَامِ ، شَرَفٌ وَعِزَّةٌ .
تَجْلِسُ أَمَامَ مَا لَذَّ وَطَابَ ، مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ ، ثُمَّ تَنْتَظِرُ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لَكَ بِذَلِكَ .
إِنَّهَا السَّعَادَةُ وَرَبُّ العِبَادِ :
الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ .
هَذِهِ العِبَادَةُ ، إِخْتَارَهَا اللهُ أَنْ تَكُونَ لَهُ ، وَهُوَ يَجْزِي بِهَا .
أَتَعْلَمُونَ أَنَّ شَهْوَةَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ، وَعَلَى أنَّهُماَ مِنَ صُلْبِ الحَيَاةِ ، إِلَّا أنَّهُما فِي أَدْنَى الشَّهَوَاتِ ، فَإِذَا كُسِرَتْ هَذِهِ الشَّهَوَاتُ الدُّنْيَا بِالصِّيَامِ ، خَضَعَتْ جَرَّاءَهَا الشَّهَوَاتُ الأُخْرَى ، وَانْكَسَرَتْ وَتَدَاعَتْ وَاحِدَةً إثْرَ أُخْرَى ، رَمَضَانُ مَدْرَسَةٌ لِكَبْحِ جِمَاحِ المَلَذَّاتِ ، وَمَشْفَى لِأَمْرَاضِ القُلُوبِ وَالشَّهَوَاتِ ، وَشَهْرُ تَرَابُطٍ إِجْتِمَاعِيٍّ ، وَتَكَاتُفٍ أُسَرِيٍّ ، رَمَضَانُ مَعْهَدٌ كَبِيرٌ جِدًّا ، يَمْتَدُّ مِنْ شَرْقِ بِلَادِ الإِسْلَامِ إِلَى غَرْبِهَا ، يَأْخُذُ فِيهِ المُسْلِمُونَ جَمِيعاً ، دَوْرَةً تَدْرِيبِيَّةً ، لِرَفْعِ رُوحِ المَحَبَّةِ وَالرَّحْمَةِ وَالتَّكَاتُفِ وَالتَّآلُفِ ، وَنَبْذِ الخُصُومَةِ وَالعَدَاءِ وَالبَغْضَاءِ ، شَهْرٌ كَامِلٌ يُهَذِّبُ النُّفُوسَ ، وَيَرْفَعُ مَعَايِيرَ القُرْبِ مِنَ اللهِ .
شَهْرٌ كَامِلٌ يَتَدَرَّجُ فِيهِ الجُهْدُ كُلَّمَا تَدَرَّجَتْ أَيَّامُهُ وَلَيَالِيهِ ، كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كُلَّمَا دَخَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ عَشْرٌ ، دَخَلَ مَعَهاَ بِجُهْدٍ آخَر ، حَتَّى إِذَا دَخَلَتِ العَشْرُ الأَوَاخِرُ ، شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ ، وَاعْتَكَفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام ُ .
أَرَأَيْتُمْ أَنَّ رَمَضَانَ مَدْرَسَةٌ عَظِيمَةٌ ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى :
ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ .
فَالمَقْصُودُ مِنْ الصِّيَامِ ، هُوَ تَحْقِيقُ التَّقْوَى ، فِي نُفُوسِكُمْ وَفِي ذَوَاتِكُمْ .
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُورِ والعَمَلَ بِهِ والجَهْلَ فَلَيْسَ للّهِ حَاجَةٌ فِي أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ .
قَلَبْتَ صَفْحَةً جَدِيدَةً فِي حَيَاتِكَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ فِي رَمَضَانَ ، هِيَ صَفْحَةُ عَزِيمَتِكَ الصَّادِقَةِ وَإِيمَانُكَ وَاحْتِسَابُكَ ، فَظَفَرْتَ بِالأَجْرِ وَرِضَى اللهِ ، غَيَّرْتَ نَمَطَ حَيَاتِكَ بِسُهُولَةٍ وَيُسْرٍ ، وَأَصْبَحَتْ تِلْكَ المُعَوِّقَاتُ التِي جَعَلَهَا الشَّيْطَانُ جِبَالاً فِي حَيَاتِكَ ، أَصْبَحَتْ بِإِيمَانِكَ وَعَزِيمَتِكَ كَثِيباً مَهِيلاً ، فَهَا أَنْتَ ، تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ ، وَتَمْتَلِكُ إِرَادَةً عَظِيمَةً ، تَسْتَطِيعُ بِهَا أَنْ تُغَيِّرَ نَفْسَكَ بَعْدَ رَمَضَانَ ، أَنْ تَفْعَلَ الخَيْرَاتِ ، وَتَبْتَعِدَ عَنِ المُنْكَرَاتِ .
لَا تَزَالُونَ فِي هَذِهِ المَدْرَسَةِ العَظِيمَةِ رَمَضَانَ ، وَالكِتَابُ المُقَرَّرُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَدْرُسُوهُ وَتُذَاكِرُوهُ ، هُوَ كِتَابُ اللهِ ، هُوَ القُرْآنُ ، الذِي أُنْزِلَ فِي هَذَا الشَّهْرِ ، قَالَ تَعَالَى :
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ
فَفِي هَذَا الكِتَابِ كُلُّ شَيْءٍ تَحْتَاجُهُ فِي حَيَاتِكَ ، كُلُّ شَيْءٍ تَحْتَاجُهُ فِي طَرِيقِكَ إِلَى اللهِ ، كُلُّ شَيْءٍ تَحْتَاجُهُ لإِصْلَاحِ نَفْسِكَ ، ُكلُّ آيَةٍ فِيهِ تُخَاطِبُكَ ، آيَةٌ تَحُثُّكَ وَآيَةٌ تُحَذِّرُكَ ، آيَةٌ تَأْمُرُكَ وَأُخْرَى تَنْهَاكَ ، سُورَةٌ تَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ ، وَسُورَةٌ تَعِظُكَ ، هَذَا كِتَابُكَ فِي َهذِهِ الدُّنْياَ ، فَلَازِمْ هَذَا الِكتَابَ الكَرِيمَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ، تَدَبَّرْ آيَاتِهِ ، وَاعْتَصِمْ بِحَبْلِ اللهِ ، وَاتَّبِعْ سُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
عتقاءُ في كل يومٍ وليلةٍ
#قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ .
سنن ابن ماجه وحسنه شعيب الأرنؤوط
#قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
إنّ للهِ عتقاءَ في كلِّ يومٍ وليلةٍ ، لكلِّ عبدٍ منهم دعوةٌ مستجابةٌ .
مسند أحمد وصححه شعيب الأرنؤوط
#قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
إنَّ للهِ تبارك وتعالى عتقاءَ في كلِّ يومٍ وليلةٍ #يعني في رمضان وإنَّ لكلِّ مسلمٍ في كلّ يومٍ وليلةٍ دعوةً مستجابةً .
كشف الأستار عن زوائد البزار وصححه الألباني
#قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
إِنَّ للهِ عز وجل عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ .
مسند أحمد وسنن ابن ماجه وشعيب الأرنؤوط
#دعاء العتق من النار يُقال ثلاث مرات لا سيما قبل أذان المغرب :
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
مَنْ قالَ :
اللَّهُمَّ إني أُشْهِدُكَ وَأُشْهِدُ ملائِكَتَكَ وَحَمَلَةَ عرشِكَ ، وَأُشْهِدُ مَنْ في السماواتِ وَمَنْ في الأرضِ أَنَّكَ أنتَ اللهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ .
مَنْ قالها مَرَّةً أَعْتَقَ اللهُ ثُلُثَهُ مِنَ النارِ .
وَمَنْ قالَها مَرَّتَيْنِ أَعْتَقَ اللهُ ثُلُثَيْهِ مِنَ النارِ .
وَمَنْ قالَها ثلاثًا أَعْتَقَ اللهُ كُلَّهُ مِنَ النارِ .
المُستدرَك على الصحِيحَين .
وقال الحاكم : صحيح الإسناد .
وقال شعيب الأرنؤوط في تخريج زاد المَعاد إسناده جيد .
اللهم أَعتِقْ رقابنا ورقاب أمهاتنا وآبائنا وأزواجنا وذرياتنا والمسلمين وكُلّ مَنْ له حق علينا مِنَ النار .
اللهم آمين يارب العالمين .
Post A Comment: