عبارة "رزق الهُبل على المجانين" | بقلم دكتورة روحية مصطفى الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة


عبارة "رزق الهُبل على المجانين" | بقلم دكتورة روحية مصطفى الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة



(إنَّ اْللهَ هُوَ الرَّزَّاقٌ ذُو القُوَّةِ المَتيِنُ) 


من العبارات التي تنتشر على ألسنة الناس عبارة " رزق الهُبل على المجانين " وعادة تُقال في حالة الاستغراب أو التعجب عند حصول إنسان على نعمة غير متوقعة أو لا يستحقها من وجهة نظر القائل . 

ومعنى هذه العبارة : أنك رُزقت نعمة لا تستحقها ولكن العذر في ذلك أنها جاءت لك من مجنون ، إذ لو كان عاقلاً ، مامنحك إياها ، وبمعنى أقرب رزق النصًاب على مُغفل ، فهل التعبير بهذه العبارة في هذا الموقف مقبول شرعاً ، أو غير مقبول ، وهل هناك ماهو أولى منها في القول أم لا ؟

أقول : هذه الجملة شاعت في الأمثال بين الناس ويقال في تاريخ هذا المثل أنه قيل في العصر المملوكي استعمله الناس من أجل التعبير عن وجهة نظرهم فى جباية الضرايب و تولي الموظفين وظائفهم بالرشوة من أجل الحصول على مكاسب يتمتعون بها في حياتهم .

وإن كانت العبارة لا يقصد قائلها الإساءة إلى الذات الإلهية سبحانه وتعالى إلا أن معنى العبارة غير صحيح وغير لائق من وجوه : 

الأول : أن فيها سوء أدب مع الله سبحانه وتعالى ، لأنها تنسب توزيع الأرزاق إلى غير الله تعالى ، وهذا يخاف عقيدتنا ، لأن الرزق بيد الله سبحانه وتعالى يقسمه كيف يشاء ولحكمة لا يعلمها إلا هو، قال تعالى :  ( إنَّ اْللهَ هُوَ الرَّزَّاقٌ ذُو القُوَّةِ المَتيِنُ ) (الذاريات:5) ، وقال تعالى : (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )(52) الزمر ، وقال تعالى :  ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ ) فاطر 3 ، ومفاتيح الغيب الخمسة التى منها الرزق، لا يتدخل فيها أحد إلا الله جاءت فى نهاية سورة لقمان فقال الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (34) .

الثاني : فيها نوع من السخط وعدم الرضا على توزيع الخالق للأرزاق، وفيها أيضاً تعريض بالذات الإلهية بأنه سبحانه وتعالى يرزق من لا يستحق ، وهذا تعدي وافتراء على الله سبحانه وتعالى بعدم التدبير في الأمور وهذا مخالف للعقيدة : " يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) الرعد ، ومثلها عبارة " يدي الحلق للي بلا ودان " . 

وأخيرا أقول : 

1-  نظراً للمعنى الغير صحيح الذي تحتمله العبارة فيكره قولها ، ومعنى هذا من تركها يثاب على ذلك ، ومن قالها لغلبة العادة بقولها دون قصد الإساءة إلى المولى سبحانه وتعالى فلا يأثم في ذلك   .

2-  الأولى منها أن نقول حينما نرى عجباُ في توزيع الأرزاق : " سبحان الله " ، أو " ماشاء الله لاقوة إلا بالله " ، أو " يرزق من يشاء بغير حساب " هكذا علمنا الله تعالى في سورة آل عمران حينما دخل زكريا عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام على مريم ، عليها السلام فوجد عندها طعاماً كأن وجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء أو العكس ، فتعجب وسألها أنى لك هذا ، قالت : هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب  ، (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 37]، ولقد صَدَقَت، وقد أحسن الله لها رزقها وهو خير الرازقين.

3-  يجب أن نعلم أن مسألة الرزق لا تُختزل في المال فقط ، بل الرزق قد يكون في صلاح الولد ، أو في الصحة ، أو في العلم ، أو في التوفيق في العمل ، أو في محبة الناس ، أو في التوفيق في فعل الخير ، وأعلى الأرزاق هي التوفيق في حسن عبادة الله تعالى وغير ذلك كثير مما يدل على تكامل البشر في مسألة الرزق فما نقص عندك من شيء كمل في شيئ آخر ، وهذا يدل على عدل الحق سبحانه وتعالى .

يقول الشافعي رحمه الله 

لو كنت بالعقل تعطى ما تريد .....إذن لما ظفرت من الدنيا بمرزوق

رزقت مالا على جهل فعشت بـه .....فلست أول مجنـون ومرزوق

. والله تعالى أعلى وأعلم .




Share To: