حكم نقض الوضوء بمس الزوجة أو الأجنبية من غير حائل | بقلم دكتورة روحية مصطفى الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة


حكم نقض الوضوء بمس الزوجة أو الأجنبية من غير حائل | بقلم دكتورة روحية مصطفى الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة

 

الإسلام دين واقعي ومن منهجه القويم الدعوة إلى الحفاظ على الروابط الأسرية وتنميتها ،وإرساء قواعدها على مبدأ المودة والرحمة ، والعبادة في الإسلام لا تقف حائلاً بين إبداء المشاعر الإنسانية داخل الأسرة ، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ليلاً في حجرته وتنام عائشة رضي الله عنها بين يديه وقدميها في قبلته أي في موضع سجوده صلى الله عليه وسلم ، فإذا أراد أن يسجد وهبط بيديه الشريفتين إلى الأرض تقع على قدم عائشة فيغمزها لترفع قدمها من موضع سجوده ، وتعتذر أم المؤمنين عن هذا الأمر وتقول البيوت يؤمئذ ليس فيها مصابيح حتى أراه صلى الله عليه وسلم كلما أراد أن يسجد فأقبض رجلي ولا أضطره إلى الحركة في الصلاة ، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم غمزها بدون حائل ولم ينتقض وضوءه أو صلاته بهذا اللمس ، بل أبعد من ذلك أن العبادة لم تمنعه عن عادة اعتادها مع زوجته أن يقبلها وهو على وضوء ثم يخرج إلى الصلاة ولا يتوضأ ، وهذا هو الراجح إن شاء الله تعالى في المسألة فلمس الرجل للمرأة لا ينقض الوضوء إلا إذا كان بشهوة ، سواء كانت من ذوات المحارم أو أجنبية أو زوجته ، وهو ماذهب إليه المالكية .

دليل ذلك : عن أبي سلَمَةَ بن عبد الرحمن عن عَائشَةَ زوْجِ النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : كنت أنَامُ بين يدَيْ رسول اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَرِجلَايَ في قِبلَتِهِ ، فإذا سجَدَ غمَزَنِي فَقَبَضتُ رِجلَيَّ ، فإذا قام بَسَطتُهُمَا ، قالت : وَالبُيُوتُ يَومَئِذٍ ليس فيها مصَابِيحُ " متفق عليه ؛ ولأن الأصل عدم النقض حتى يقوم دليل صريح صحيح على النقض ولا دليل . 

وعنها رضي الله عنها قالت : ( فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنْ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ : اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ ، وَبِمُعَافَاتِك َ مِنْ عُقُوبَتِكَ ) أخرجه مسلم .

وظاهر هذه الأحاديث بلا شك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مس عائشة رضي الله عنها وهو يصلي ، ولو كان مس المرأة ناقضاً للوضوء لبطل الوضوء والصلاة .

وعنها رضي الله عنها ( أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ ) أبو داود بإسناد صحيح .

ولكن القول بأن لمس المرأة  الأجنبية لا ينقض الوضوء لا يعني أنه يجوز للرجل أن يمس امرأة أجنبية ، فهناك فرق بين ما يتعلق بالوضوء وبين ما يتعلق بمشروعية اللمس  ، فإن لمس المرأة لا ينقض الوضوء الا اذا خرج منه شىء من الشهوة ، ولكن مع حرمة مس المرأة الأجنبية بلا ضرورة ، فإنه يأثم بذلك ولو لم ينتقض الوضوء ، فليست نواقض الوضوء متربطة بالمعاصي ، ولهذا نقول هو ليس ناقض ولكنه محرم؛  لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " والْيَدَانِ تَزْنيَانِ وَزنَاهُمَا الْبطْشُ " أحمد ، وفي رواية لابن حبان في صحيحه " وزناهما اللمس" . 

وعن مَعقِلَ بن يسَارٍ يقول قال رسول اللّهِ صلى اللّهُ عليه وسلم : " لأنْ يُطعَنَ في رَأسِ أحَدِكُمْ بِمِخيَطٍ من حدِيدٍ خَيرٌ له من أنْ يمَسَّ امرَأَةً لا تحِلُّ له " الطبراني بإسناد صحيح ، أما مس الأجنبية بحائل كثيف فقد أجازه السادة الشافعية ، وهذا تدبير له وجه من الفقه ، ومجنباُ للحرج في بعض الأحيان .  والله تعالى أعلى وأعلم .




Share To: