«لا تَخـفْ... سَنُعيدُها سيرتها الأولىٰ» | بقلم الكاتبة المصرية آيات عبد المنعم 


«لا تَخـفْ... سَنُعيدُها سيرتها الأولىٰ» | بقلم الكاتبة المصرية آيات عبد المنعم



لا شيء يُخرِجُكَ من وكرِ الغيـاب، إلاَّ عينين صلَّىٰ فيهما الحُـبُّ مُنتـصرًا...

«البطل المصري الشهيد محمد صلاح إبراهيم الدسوقي»

يا عزيـزَ بلادي، يا كُـلَّ بلادي..

تعلمتُ من أُمِّيَّتِكَ العارفـة كيـفَ أشحذُ سِلاحي، وأنَّ البصيـرةَ لا تحتاجُ إلىٰ مَعاجم كي تُدركَ البوصلة.


لقد فككتَ لي بكلِّ بساطةٍ شيفرة مصطلحات مُعقَّدة، كانت قاعات الفلسفة الدراسيّة في جامعتي بالقاهرة، تُماطلُ في رسم حدود ماهيتها، وكان شيخي في خُطبة الجُمعة يتجنبُ الحديثَ عنها، هو مشغولٌ بطهارة الثوبِ والإناء، يدعو لأولي الأمر.... وكانتْ شفتاي شاردتيْن عن قولِ: «آميـن».


تتبعتُ تُرابَ نعليَـكَ كيفَ يرسمُ لي معالم الطريق، شيءٌ مِنكَ يا عين الشَّمس سقطَ في جيبِ روحي، فأبصرتُ عدّة معانٍ:


♦️التطبيعُ الشَّعبي مع العدو: باختصار هو طَبـعُ قُبلةٍ حمراء من فوهةِ بُندقيةٍ طاهرةٍ، علىٰ جبينِ صهيونيٍّ غاصبٍ كَفُّهُ ملوثٌ بدماء أجدادي.


♦️الهزيمةُ: هي اليأس، والنـصرُ هو بسمةُ أملٍ مُكلّلةٌ بعرقِ رصاصٍ يُزغردُ من صحراءِ سينـاءَ إلى القُـدس.


♦️الإيمانُ الطاهر: هو أن تكونَ بسيطاً، تحملُ مسجدِكَ في قلبِكَ، لا تُصافحُ يدًا غارقةً في وحلِ الظُلم.


♦️التاريخ لا يُعيدُ نفسهُ، نحنُ من يصنعُهُ ويُرتبُ أوراقه.

على الأرض ذاتِها، سيظلُّ هُنَـاك تاريخان يتصارعان لا بُدَّ من أن يُفني أحدهما الآخر..

[3/ 6/ 2023] عملية الشهيد المصري البطل محمد صلاح.

[5/ 6/ 1967] نكسة يونيو.

من عباءة الجيش المصري، خرجَ نورُ البطلِ الشهيد محمد صلاح، والبطل الشهيد سليمان خاطر، يُجسدان نبضهُ العربي الحرُّ الأصيـل.


بيـنَ خاطر ومحمد سبـعٌ وثلاثون عاماً من عِبادة الانتظار، مُنـاجاة روحيِّـة من "رأس برقة" إلى "العوجا" وكان اللقاء.

اليوم أؤمن أنَّ هُنـاك بسمةً مطمئنةّ هادئةً اخترقتْ وجه سُليمان، وانتشتْ روحُه، فقد صاغ هاجسهُ في كلمتهِ الأخيرة، بعد أن تم الحُكم عليه بخمس وعشرين عامًا من الأشغال الشّاقة المؤبدة.. قـال: "أنا لا أخشىٰ الموت ولا أرهبُهُ.. إنَّه قضاء الله وقدره، لكنَّني أخشىٰ أن يكون للحكم الَّذي سوف يَصدر ضدي آثار سيئة على زملائي، تصيبهم بالخوف، وتقتل فيهم وطنيتهم".


«لا تخف يا سُليمان... سَنُعيدها سيرتها الأولىٰ»

كأنَّ اللّٰه ألقىٰ على قلبِ الشهيد خاطر، وحيًا مُحمديًّا يُثلجُ صدورَ المؤمنين.

إنَّ هذه الأرضَ هي ميراثُ الصالحيـن... هذا وعدُ اللّٰه المُبيـن.


لكلِّ السائرين علىٰ طريـق النور، لا تقلقوا إن علتِ الطحالب على وجوه أوطاننا العربيّة، كلُّ هذا الزبد سيذهبُ جُفاءً وما ينفعُ الناسَ سيمكثُ في الأرض، الشهداء دوماً يقولون كلمتهم الأخيرة.


لذا أيُّها الجهل مارِسْ كلَّ رذائلِكَ، واعزفْ ألحانك علىٰ مآذن أبراجِكَ الفارهة، واحصدْ ما شئـتَ من المُغنين والراقصين والمُطبِّلين، اجمعْ شتات عُلماء وشعراء الزُّور، مهما فعلتَ سَتُدركُ أنَّ كلَّ تلكَ المزاميـر فارغة!


تَمدَّدْ كما تشاء كِشبكةِ عنكبوتٍ يَبني بيتهُ الواهن من النهرِ إلىٰ النهر، رصاصةٌ واحدة كفيلة أن تُسقط زيفَ حُلْمِك.

شمعةٌ واحدةٌ في محراب عاشقٍ ليلاً يتهجَّدُ، يؤمنُ بأنَّهُ قريباً سيُصلي في القُدس، كفيلةٌ أن تُحرقَ جيشكَ.

كلمةٌ صادقةٌ ختمتْ حديثها بالدَّم، ستُلقِّنُكَ درساً تعرفُ بهِ حقيقةَ حَجْمك.


خالص العرفان والشكر للبطل المصري الشهيد محمد صلاح إبراهيم الدسوقي، لأنَّهُ أذاق فمي طعمَ العزّة بعد طولِ غياب. إنَّ مصر لم تحصد بعد اتفاقية كامب ديفيد رخاءً اقتصاديًّا أو ازدهارًا علميًّا أو مكانةً بين الأمم، ولن يسمح لها العدو بذلك، لذا فإنّ النفوس الأبيّة تُدرك أنَّ فقر الرُّوح أخطرُ من فقر رغيف العيش، وأنَّ لقمة مغموسة بالعزّة أشهىٰ من مائدةٍ تملأها رائحة الذِّل.


اليوم أستطيعُ في هذا الصباح، أن أقول لأهلي وأحبائي في فلسطيـن الحبيبة وجنوب لبنان ولكلِّ مُناضلٍ في الشرقِ والغربِ يحملُ الحقَّ في قلبهِ وِرْدًا، أقول: "صباحُ الورد والنصر"، دون أن يعتري وجهي حمرةُ الخجل وعارُ الخُذلان.

 أُُدركُ أنَّ الطريـقَ أمامنا مازالت طويلة، لكنْ أوّل الغيـثِ قطـرة، وهُنـاك قطـراتُ ماءٍ حيِّـة تتكاثـر، تُعلِقُ، على جِباهِ عيونها، آيـةً واحدة: {ومنهم من ينتظر} صدق الله العظيم.

إنَّها تَنـظرُ وتُنـاظِرُ وتَنْتَـظر... تؤمنُ أنَّ النصرَ قريـب.


العزاءُ مع الشُّهداء يرتدي ثوبَ المباركة، رحمة اللّٰه الواسعة والمجد لكلِّ الشُّهداء، وأخصُّ قلبَ أمِّ الشهيد محمد صلاح إبراهيم الدسوقي، وأهلَهُ بالدُّعاء بالصبر والسلوان والسكينة، ولو كنتُ في بلدي الحبيبة مصر لحضرتُ العزاء والاحتفال بهذا البطل، وأعرفُ أنَّ في قلبِ كلِّ حُرٍّ شريف،هُنـاك، ذِكرًا للشهيد، وذكرى حيّةً لن تمحوَ معالمَها الأيامُ، وسيحفظُ التاريخ جيداً اسم «محمد صلاح إبراهيم الدسوقي».


بِـكَ يا قمحَ بِلادي الأسمر، يا قصبَ السُكر.. أستطيعُ أن أقول بملءِ فُؤادي: « تحيـا مصـر✌🏻🇪🇬 »


#الشهيد_محمد_صلاح

#آيات_عبد_المنعم 

بيـروت..

17 / ذو القعدة/ 1444.

 6  /  يونيـو  / 2023.




Share To: