رواية "علىٰ شفا عثرة" وتصحُّر الرُّوح.. | بقلم الكاتبة المصرية آيات عبد المنعم 


رواية "علىٰ شفا عثرة" وتصحُّر الرُّوح.. | بقلم الكاتبة المصرية آيات عبد المنعم



أن تقرأ روايةً لكاتبٍ تعرِفُهُ، ستشعر أنَّ أفلاطون صغير يسكنُ عقلك، يمهس في أذنك الوسطى "المعرفة تذكر"، هذا ما حدث معي تماماً، وأنا أقرأ للكاتبة "فاطمة الفضلي"، روايتها الأولىٰ "على شفا عثرة"، لقد جمعتنا معرفة سابقة، وصداقة قد لا أستطيع وصفها بالعمق أو السطحيّة بالمعنى الذي يصنفه البشر للأصدقاء، فقد تكون لِقَاءَاتنَا معدودة، لكن كافية لأن يقرأ كلّ منا الآخر بغرفةِ عينٍ واحدة.

لقد جمعتنا الغُربة على أرض الشام، أروقة جامعة دمشق، جبل قاسيون، حكايات الياسمين الأبيض، سماء سوق الحمديّة، بكلِّ ما يضجُّ بها من عبق التاريخ، وقد استطاعت الكاتبة بعذوبة أن ترسم جمال الشام بعيونها العراقيّـة العربيّة، وفي ذات الوقت قدمت أنثروبولوجيا ثقافيّة‏ لمجتمعها الذي اغترب عن بلاده، وحمل معه موروثه من عادات وتقاليد ومعتقدات.


بيني وبين "فاطمة الفضلي"، عبارة لا أستطيع تجاوزها، أذكرُ عيناها التي وشت لي بصمتٍ ثوريٍّ هادئٍ منذ زمن بعيد، بأنّها تحمل روايةً ما ستُكتبها في المستقبل، مازالت جملتها عالقة في ذاكرتي حين صرختْ روحها المتعبة أمامي: «منذ أن أقدمتُ على دراسة العلوم الدينيّة شعرتُ أنَّ روحي تصحّرت»، لذا لم أتعجب، وأنا أحملُ الآن بين يدي هذا المولود المبارك، تلك الرواية الّتي بلورت رؤيتها الناقدة للجامعة الدينية، فقد جعلت بطلة روايتها "آية" تبحث عن روحها التائهة في العرفان والمنهج الإشراقي.

تلهثُ وراء عباءة شيخ عرفاني يكشفُ لها معالم الطريق، 

ظلّتْ حالة الرضا على هذا الشيخ تمتدُّ إلى ما يُقارب نصف الرواية الّتي تتكون من ثلاثمائة وثمانون صفحة، مما جعلني أشعر بالريبة والقلق، هل ستمنح "آية" وصديقاتها حقّ الوصاية لهذا الشيخ، تابعتُ تواتر الجلسات الدينيّة التي كان يعقدها الشيخ، وكيفَ بدأت تتساقط أوراق التوت، وتكشف عن فاسد ما يدعو إليه، من يبحث عن مناهج المعرفة ويُؤرِّقه سؤال هل الغلبة للعقل أم للقلب؟ أيُّهما أفضل القشرة أم اللب، وهل يجب أن نتخلىٰ عن القشرة إذا ما أردنا الوصول إلى اللب؟ 

من يشغله قضية "الديانة الإبراهيميّة"، وغيرها من القضايا، يستطيع أن يُرافق بطلة الرواية في رحلتها المعرفيّة، وكيف ساعدها الله، وانتشلت ذاتها من السقوط في الهاوية.


ليس من الضروري أن تتفق مع الكاتبة في الأرضيّة الدينيّة الّتي انطلقت منها، لكنَّ الشيخ الذي تحدثت عنه لابدَّ أن يكون مرّ طيفهُ في حياتك أو سيمر، بكلِّ صفاته السلبيّة الّتي بلغت ذروتها حين غدا فرعوناً يرتدي لباس التقوى، فقد تكون صادفتَهُ يوماً ما في الصغر، أو قد يكون إمام جامعك الآن، رُبّما من أجل ذلك ستشعر أن الرواية تجذبك، وأنَّها قضيتك، وسيدفعك ذلك أن تتحمس مع الكاتبة، وتُطالبها أن لا يكون النقد ناعماً. 


هُناك العديد من الروايات التي ناقشت تلك القضية، وستظلّ الأيام تلِدُّ لنا مثل هذه الرؤى، وأعتقد أنَّ "الآه" في صدورنا كبيرة بحجم أنَّها تتسع لروايات عديدة، لنُشذِّبَ طريق النور من قُطاعه.

الأهم أن لا نيأس من الإصلاح الأخلاقي، ولا تعطب أرواحنا، وأن نعمل بدفء تلك الرسالة المواسية التي جاءت على لسان "حسين" حبيب بطلة الرواية:


«اعتبري تجربتك كما لو أنَّها حبة رمل عالقة بين صدفتي محار، صحيحٌ أن انغراسها في ذاتك يؤلمك، لكنها مع مرور الوقت ستصبح حبة لؤلؤ باذخة الجمال بهية وكلما مر عليها الوقت تزداد قيمتها» "ص 369"


بين أيدينا أوّل حبّة لؤلؤ للكاتبة فاطمة الفضلي"، التي قاومت تصحُّر الروح بالكتابة، وبانتظار اكتمال عقد اللؤلؤ والمزيد من الأعمال الروائية والفكريّة.


آيات عبد المنعم. 

بيـروت..

15/ ذو الحجة/ 1444.

 4  /  يـوليـو / 2023.



Share To: