قيود الطلاق الموافق للسنة وعلاقته بمقاصد الشريعة | بقلم أ. د روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة
قيد الشرع الحكيم الطلاق بقيود شرعية منعًا للشطط والتسرع ، وحفاظًا على الرابطة الزوجية ، وتضييقا لدائرة الطلاق ماأمكن ، فإن توافرت هذه القيود كان الطلاق موافقًا للشرع لا إثم فيه، وإن فقد واحد منها، كان إيقاعه موجبًا للإثم والسخط الإلهي ، وإن كان مختلف في وقوعه ، وهذه القيود هي :
القيد الأول : أن يكون الطلاق لحاجة تدعو إليه كسوء خلق الزوجة وسوء عشرتها، والتضرر بها من غير حصول الغرض منها، أو عند تباين الأخلاق وتنافر الطباع أو غير ذلك ، فإذا حدث الطلاق من غير حاجة أو سبب يدعو إليه، فإن المطلق يأثم ، للإضرار بنفسه وبأسرته ، والضرر منهي عنه شرعاً .
القيد الثاني: أن يكون الطلاق في طهر لم يجامعها فيه، فإذا طلق الرجل زوجته في حال الحيض أو النفاس، أو في طهر جامعها فيه ولم يتبين أمرها أحملت أم لا، فإنه يأثم لأن فيه إضرار بالمرأة من حيث تطويل العدة عليها لأن الحيضة الذي صادفها الطلاق فيه غير محسوبة من العدة فتطول العدة عليها وذلك إضرارًا بها والنفاس كالحيض لشموله المعنى المحرم، قال تعالى: ( وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا) البقرة 231.
ولأن الطلاق للحاجة هو الطلاق في زمان كمال الرغبة وزمان الحيض زمان النفرة فلا يكون الإقدام عليه فيه دليل الحاجة إلى الطلاق، فلا يكون الطلاق فيه سنة بل يكون سفهًا.
وأما حرمة الطلاق في طهر جامعها فيه وذلك لاحتمال أنها حملت بذلك الجماع، وعند ظهور الحبل يندم فتبين أنه طلقها لا لحاجة وفائدة فكان سفهًا فلا يكون سنة ؛ لأنه إذا جامعها فقد قلت رغبته فلا يكون الطلاق في ذلك الطهر طلاقًا لحاجة على الإطلاق فلم يكن سنة .
القيد الثالث : أن يكون الطلاق مفرقًا ليس بأكثر من واحدة ، فقد اتفق الفقهاء على أن الطلاق السني المشروع هو الواقع بالترتيب مفرقًا الواحد بعد الآخر، أي شرع له أن يطلقها طاهرًا من غير جماع طلقة واحدة، ثم يدعها حتى تنقضي عدتها . ولا يوقع الثلاث دفعة واحدة، لظاهر قوله تعالى ( الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ) أي أن الطلاق المباح ما كان مرة بعد مرة، فإذا جمع الرجل الطلقات الثلاث بكلمة واحدة مثل: أنت طالق ثلاثا، أو بألفاظ متفرقة في طهر واحد مثل أنت طالق طالق طالق فإنه بدعي محظور عند جمهور الفقهاء ؛لأن في جمع التطليقات الثلاث في قول واحد أو طهر واحد إضرار بنفسه وبامرأته من غير حاجة وهو منهي عنه، حفاظاعلى الحياة الزوجية ما أمكن، وعدم إنهائها، بقرار مُتسرِّع، ، أو يكون وسيلة إلى عوده إليها حرامًا أو بحيلة لا تزيل التحريم ، ووقوع الندم، وخسارة الدنيا والآخرة فكان أولى بالتحريم من الطلاق في الحيض الذي ضرره بقائها في العدة أيامًا يسيرة ، أو الطلاق في طهر مسها فيه الذي ضرره احتمال الندم بظهور الحمل ، فإن ضرر جمع الثلاث يتضاعف على ذلك أضعافًا كثرة .
ويُضاف إلى ذلك : تدابير احترازية يسلكها الزوج عند العزم على الطلاق من شأنها أن تدفع الأضرار عن الأسرة ، وتعطل حدوث الطلاق منها :
أن يكون الزوج في وضع نفسي مستقر .
وأن يلتمس شاهدين عدلين عند العزم على الطلاق .
وأن يكون الطلاق بلفظ صريح منجز غير معلق أو مقيد .
نخلص من هذا إلى أنه عند حدوث مشكلة بين الزوجين وأراد الزوج التلفظ بالطلاق ، فيستغفر الله تعالى ، ويتوضأ ويصلي ركعتين ، حتى يزول مابه من غضب ، ويطفيء نار الشيطان وجنده ، وينظر هل مازال عازماً على الطلاق أم لا ، فإن كان عازماً عليه يسأل زوجته إن كانت حائضاً أم لا ، فإن كانت حائضاً فينتظر حتى تطهر ، لعل المشكلة التي بينه وبينها ساعد على تأجيجها إنقطاع العلاقة الزوجية في هذه الفترة ، وتقلب مزاج المرأة فيها ،وفي خلال هذه المدة ينظر إلى المشكلة التي يريد أن يطلق لأجلها وستنجلي له الصورة واضحة ، إن كانت المشكلة تستحق هدم البيت وتشتيت الأسرة أم لا ، وإن كانت الزوجة غير حائض وكان قد جامعها في هذا الطهر ، فلا ينطق بالطلاق حتى تحيض ليتأكد من براءة رحمها من الحمل ، ثم يتركها حتى تطهر ، وبعد أن تطهر الزوجة من حيضها يختبر نفسه إن كان به حاجة إلى زوجته أو لا يزال عازماً على الطلاق ، فإن كان عازماً على الطلاق فلا ينطق به إلا أمام شاهدين من الرجال عدلين تقيين ليس بينهما وبين الزوجة غضاضة ، وليترك الشاهدين يؤديا دورهما من محاولة الإصلاح ، وإزالة أسباب الخلاف .
والسؤال هنا لو تتبع الرجل المسلم هدي رسولنا الكريم في الطلاق ، هل يكون هناك ثمة طلاق ، اللهم لا ، فالسنة في الطلاق أن لا طلاق ؟ صلوا على من هو حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم .
Post A Comment: