قراءة  لقراءات في مؤلفات ادبية | بقلم الناقد غانم الجاسور 


قراءة  لقراءات في مؤلفات ادبية | بقلم الناقد غانم الجاسور


أهداني الشاعر والتربوي عماد الدعمي مؤلفه الجديد (قراءات في مؤلفات ادبية ) الجزء الثالث يقول (رولان بارت عنوان الكتاب يفتح شهية القارىء) وهو قد افتح شهيتنا 

والمؤلفات هي دراسات تحليلية نقدية تصل إلى ثلاثين منتخبآ  ما بين شاعر وقاص وكاتب من العراقيين والعرب المعاصرين  لهم مكانة مميزة في مجال الآدب والذائقة الشعرية  والكتاب ( قراءات)  يقع بنحو (219) صفحة ومابين صفحة الغلاف التي هي عبارة كتب مصففة اعتقد بانها بعدد مؤلفاته إلى الغلاف الاخير وهو عبارة عن السيرة الذاتية للمؤلف.. وعند مطالعتنا له (للقراءات النقدية) نرى المؤلف  في المقدمة  ملتزما التزامآ  بما لايقبل الشك  ليس لأنه يستخدم اللغة  المناسبة بل لأنه استخدمها بطريقته التي يراها مناسبة لموضوعاته الدراسية ...والفنون الجميلة بأنواعها المتعددة  هي اساسآ احاسيس الفنان (الإنسان) أي فنان في أسلوبه الجميل يتقبله الآخر بروح وشفافية عالية  وكذلك الشعر والقصة القصيرة التي هي فن نثري من فنون الأدب يعبر فيها القاص عن مادته التي يريد ايصالها الى المتلقي ولها خاصية مميزة (عن القصة والرواية) والفنان الإنسان ليس مجرد إنسان يحيى لذاته ..إنما هو يحمل رسالة يرفع مضمونها عاليآ.. والفنانون هم الهوائيات التي يتنفس  من خلالها المجتمع والدعمي هو أحد هذه القامات الأدبية ليس فقط في العراق وإنما في الدول العربية  

أما النقد الأدبي هو عبارة عن تحليل وتفسير وتذوق القطعة الفنية والأدبية.. كما انه يكتشف في هذا المجال  أماكن القبح والجمال السلبيات والايجابيات  في العمل الأدبي  أو في أي عمل فني من الفنون الجميلة التي مارساها الانسان عبر حياته الطويلة  والنقد بعامته  ايضآ عبارة عن رأي الناقد وذوقه... إلا ان رأيه وذوقه عليهما ان يخضعا لقواعد معينة وضعها كبار النقاد والأدباء... وهدف النقد الأساسي التعمق بالقطعة الأدبيّة كما أنه يهدف إلى توجيه الكاتب نحو الطريق الأصح   

وحقيقة الأمر  أن الكاتب قد أعطى كل ماتناوله في دراسته لهؤلاء النخبة التي انتخبها لنفسه في دراسته وتحليله لهذا المنجز   (لمجموعة من الشعراء والقصاصين العراقيين والعرب) 

ويستهل الشاعر بافتتاحية مقدمة  الإهداء بتوتر بعض الشيء ويطالب فيها بقوة وبشدة وبمسؤولية كبيرة وملحة  بأن يكون الكاتب والشاعر والقاص ملزمآ بأن يكون واعيآ بقدر المسؤولية التي يتحملها إلى أبعد الحدود  لتخفق للكلمة القلوب وتهتز لها الأبدان من خلال الكلمة الصادقة والأحاسيس  الوجدانية المملوءة بالنقاء وصدق الشعور بما يمليه من أحداث ووقائع لها ناقوسها المدوي .

وهؤلاء النخبة المثقفون  (الكتاب والشعراء والقصاصون) في نظره عبارة عن هالة  من الكتل المتراكمة من الكبت والمعاناة  والوجع الانساني  والهلع والرعب والخوف وما يعانيه هؤلاء .. في زمن  السلطة المتزمتة التي أوصلت الشعوب إلى التقاتل فيما بينها  أبان الأيام السوداء والحروب الدامية  المتوالية التي أكلت الأخضر واليابس وحطمت كل ماهو جميل وأحلام المثقفين  في بلاد الرافدين  نتيجة الهوس وجنون العظمة لدى هدام العراق  أو مما تخبئه الأيام القادمة من معاناة مقلقة ومصير مجهول .

وكاتبنا  يستعرض كل من هؤلاء النخبة على حدة  بعناية مركزة وبتأن عال وحاول جاهدآ أن يحافظ على الابداع في التحليل والدراسة ويرتقي إلى أعلى درجاته.. كما لاحظنا الانفتاح والتحليق في فضاء اللغة  فلا تخلو قصيدة او مقطوعة شعرية من البلاغة والضربات الحادة التي تجعل  القاريء  مشدودآ بانتباه عال  مع عالم الشعر والسرد  القصصي ,,الذي يدعو الى تأملات ذهنية وبصرية.. ويؤكد فيها  أن المجموعة التي اختصها  شاملة أستهوته وشجعته على تناولها والأخذ بدراستها من حيث الحبك القصصي والتشكيل الشعري .والذائقة السردية . والمجموعة عبارة من العلاقات المترابطة والمتراصة بعضها مع البعض من حيث النسغ اللغوي  فاللغة هي التاريخ المعطى للتأمل للطبيعة والكتابة وهي ذات صبغة ايديولوجية على الدوام والوحدة الموضوعية والأسلوب الشفاف وتطابق الألفاظ مع معانيها وبهذا تكون القصيدة أو القصة القصيرة عبارة عن لوحة فنية سريالية ترسم بالكلمات المعبرة صدقآ واحساسآ  لان هؤلاء قد  برعوا  في السرد القصصي والشعر بحرفية ومهنية عالية  مع المحافظة على النسق الزماني والمكاني الذي دارت به الاحداث .

ويتساءل اليوم العديد من المثقفين والمفكرين الذين يعنيهم الحاضر كما تعنيهم قضية المستقبل فهم يتساءلون ...

بأن هذا الواقع نفسه يدفع بالمفكر العربي اليوم إلى العمل على أن يرسم لرؤية ثاقبة وهي الأخذ  الجدي للثقافة وللتراث العربي ضمن اية عملية تحديث تتم أو يراد لها ذلك ..لأننا اليوم نعيش مرحلة الخيارات الصعبة في مواجهة ما للحياة من حقائق سواء ما كان من هذه الحقائق متصلآ بالوجود أو بالفكر الذي نسعى فيه إلى إبداع معاصرتنا فيه ...وهذا برأي هو التحدي الذي يجب أن نقبل به إذا أردنا أن ننهض ...أو نشكل الإطار الكلي لصبوتنا في النهضة 

الآن وما ينبغي أن لايغرب عن البال  أن الإبداع يحتفظ بماله من (بعد ثقافي )وهو عمق ما للمجتمع من تاريخ يحتاج الى رؤية واضحة وقدرة على التخيل وشجاعة في ما نرسم من توجهات جديدة أو نبدع في خلق قيم تساعد الآخر على إقامة بناءات قادرة على البقاء  .

بعد انتهائي من قراءة هذا الكتاب رأيت نفسي اقف أمام فنان مبدع اسميته ( اسطة عماد ) (متمكن) والاسطة عند عامة الناس  هو ذلك الإنسان الذي يتقن مهنته باحترافية عالية في مختلف الفنون الجميلة  فهو ملم  بكل شعاب  المهنة التي يمتهنها او يحترفها  ,,,فهو متمكن في توضيب اللغة ومفرداتها في السرد والشعر والتفعيلة  وفنونها... انا شخصيآ اعتبر ذلك انجازآ للثقافة العراقية والعربية بأن يكون فيها أو من يمثلها مثل (عماد الدعمي) فقد أثبت وجوده بين اوساط المحافل العراقية والعربية بجدارة لآنه  شاعر وكاتب  له من انسيابية اللغة مايشعرك بغناها وباحتوائها  للمشاهد المثيرة  وهو يستوعب الأزمنة والأمكنة في لحظة  ما... واعتبر ذلك من انتاج مرحلة التجديد الحالية التي ستشهد تغييرات بنيوية كبيرة في الثقافة والأدب وفي طريقة التفكير بمثل هذه الاسلوبية الشعرية المنسابة والمستوعبة لحيثيات الحدث... وهنا نجد واحدة من انجازات هذه المرحلة ..والدعمي  عند الكتابة  يداور ويحاور حتى يستوعب تقلبات المشهد ثم يجلس منتشيآ على اريكته  بعد أن يتناول قدح القهوة او الكبتشينو  ويحتسيه باسترخاء وتأنٍ  يرافقها مع  اشعال سيكارة اعتاد عليها طويلا.. إنه المستوعب لتدفقات الصورة وتشعباتها يا لقدرته الاسلوبية الشعرية والنقدية التي اتحفنا بها في هذا الكتاب التي اغنت المشهد الثقافي ووسعت من ثوبه دون خلل وحصيلة ذلك كله اننا امام تجارب عديدة وجديدة ..هكذا كنا ومازلنا نقرأ بوضوح اثر الحروب ومآسيها على الثقافة والأدب العراقي في أغلب المواضيع التي تصدر  وتناولتها  هذه المجموعة...  وتقريبأ اغلبهم  الذين عاشوا ألم المعاناة والخوف  في المنفى او في السجن العراقي الكبير

والدعمي في قراءاته لهذه المجموعة المنتخبة من العراقيين والعرب قد وفق في هذه الدراسة  وأعطى لكل حق حقه فيها ..  ونأمل منه خيرآ مستقبلا ان يتحفنا بدراسات قيمة اخرى لكتاب وشعراء وقصاصين ...وهو في منجزه هذا قد أضاف لبنة الى بناءه الأدبي والثقافي.العتيد .. (وهنا لم يختتم اديبنا بخاتمة المجموعة)   ومن الله التوفيق .




Share To: