حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند النسيان | بقلم أ. د روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة


حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند النسيان | بقلم أ. د روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة


 .................

اعتاد كثير من الناس  أنه إذا نسي شيئاً وأراد تذكره ، قال على سبيل العادة : اللهم صل على محمد ، فهل الاستعانة على التذكر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم جائز شرعاً أم لا ؟.

 أقول  وبالله التوفيق : 

1- الأولى للمسلم خروجاً من الخلاف ، عند نسيان أمر ما وأراد تذكره أن يذكر الله تعالى كما قال الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) [الكهف: 24]، أي أن نقول مثلا : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، أو لا حول ولا قوة إلا بالله ، أو ماشاء الله لا قوة إلا بالله ، أو اللهم ذكرني مانسيت ، أو " اللهم يامجمع الناس ليوم لا ريب فيه أجمع عليً ضالتي " أو قريباً من ذلك ؛ لأن النسيان من الشيطان كما قال تعالى عن فتى موسى : (وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ [63] ، وَكَقَوْلِهِ: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ [19] ، وَقَالَ تَعَالَى: (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [68] .

وذكر الله تعالى يطرد الشيطان كما يدل لذلك قوله تعالى : (  وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [36] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ) الْآيَةَ، أي الوسواس عند الغفلة عن ذكر الله تعالى .

الخناس : الذي يخنس ويتأخر صاغراً عند ذكر الله ، فإذا ذهب الشيطان ذهب النسيان . 

2- أن ذكر الله تعالى جنس، له أنواع عدة؛ فمنه قراءة القرآن، والتهليل والتكبير، والتسبيح والتحميد، والاستغفار والدعاء. ومنه الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنها متضمنة لذكر الله تعالى وشكره ومعرفة إنعامه على عبيده بإرساله، فالمصلي عليه قد تضمنت صلاته عليه ذكر الله وذكر رسوله ، وسؤاله أن يجزيه بصلاته عليه ما هو أهله كما عرفنا ربَّنا ....

3- أن الصلاة عليه صلوات الله وسلامه عليه من العبد هي دعاء. ودعاء العبد وسؤاله من ربه نوعان: 

أحدهما: سؤاله حوائجه ومهماته وما ينوبه في الليل والنهار فهذا دعاء وسؤال وإيثار لمحبوب العبد ومطلوبه .

والثاني: سؤاله أن يثني على خليله وحبيبه صلى الله عليه وسلم ويزيد في تشريفه وتكريمه وإيثاره ذكره ورفعه . ولا ريب أن الله تعالى يحب ذلك ورسوله يحبه. 

4- أن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى من غيرها في هذا المقام من حيث ورود الحديث الضعيف فيها وله شواهد تقويه ، وليس في السنة ما يعارضه نصا ، والأحاديث الضعيفة لا مانع من الاستئناس بها في فضائل الأعمال، وقد حكى الإمام النووي الإجماع على ذلك ، وهذا الحديث هو مارواه عن أنس بن مالك- رضى اللَّه تعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: " إذا نسيتم شيئا فصلوا علىً تذكروه إن شاء اللَّه تعالى " 

5- أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سبب لصلاة الله على العبد، وإذا صلى الله على العبد حصل على النور الذي ينير له طريقه، ويطهر سريرته، قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [الأحزاب: 43].

6- أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سببٌ لزوال الهموم، وإذا زالت الهموم، حدث الصفاء، وتأهل الإنسان لتذكر ما نسيه، وقد قال صلى الله عليه وسلم لمن لزم الصلاة عليه: (إذا تكفى همك، ويغفر لك ذنبك) رواه الترمذي والحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي.  

هذا وقد اعتمد غير واحد من أهل العلم ذلك، فذكروا أن من مواضع الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم النسيان كأبي موسى المديني فيما نقله عنه ابن القيم، وابن بشكوال في كتابه القربة ،  وابن القيم في كتابه جلاء الأفهام ، والسخاوي في كتابه القول البديع ، وابن حجر الهيتمي في كتابه الدر المنضود .

وإن من أعجب ماقرأت في هذا الأمر أن يحكم بعض من يتكلم في الدين ببدعة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند النسيان ؟! مستندا إلى قوله تعالى : {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24]، ولا شك أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مِنْ ذِكْرِ الله، فالاستدلال بهذه الآية على بدعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند إرادة التذكر غفلة من المستدل .

وخلاصة القول : يُستحب للناسي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إعانة له على  التذكر ، لأن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنواع الذكر، ومشتملة على نوعيه: الثناء والدعاء. والله تعالى أعلى وأعلم .




Share To: