فن .. وانطباعات | بقلم : خديجة الخليفي /أديبة مغربية
لست ناقدة، فالنقد له شروطه، وله أهله. وأرجوني يوما أن أكون من ناسه.
إنني اليوم، أشارك متتبعي منشوراتي في العالم الأزرق، انطباعاتي وفضفضاتي.. إنني اليوم، أكتب بعيدا عن كل موضوعية. وهذا ليس بعيب؛ فالمطلع على هذه الحروف، سيتشعر البواعث والدوافع لهذا القول!
وعندما تعشق بعض الحروف الثناء، وعندما تجد بعض الحروف متنفسها في المدح، تكون قد أرضت حواسها، وقدمت ولاءها لصناع الجمال.
وحروفي اليوم، أنطقتها أشياء جميلة، بل أبهرتها تحف رائعة. والبدء، كان من المعلمة التاريخية التي عملت وزارة الشباب والثقافة والتواصل، على صيانتها وترميمها، لتحمل صفة رواق يستقطب أعمال فنانين مغاربة ومن أقطار أخرى.
كم كانت دهشتي وكم كانت متعتي، وأنا أنتشي وأفتخر بمغربنا الجميل، الذي يلد أنامل تصنع الجمال. لوحات تنتمي إلى معرض ثنائي، عرضت برواق الباب الكبير بالرباط. حضرتُ افتتاحه يوم أمس، الجمعة 29 شتنبر من السنة الجارية 2023. يحمل المعرض عنوان "تناغميات الحروف: حوارات تجريدية"، للفنانين المغربيين: عبد القادر كمال، ويوسف بالمهدي.
كنت أشاهد اللوحات، تشدني إليها شدا كأنها ترغب في حديث مطول. فسألت نفسي: كيف استطاع الفنان أن يصنع هذا؟! ما سر إبداعه؟! أن تقف أمام لوحة يغذي محتواها كل الحواس. قلت للحظة: والله لا يفلح في هذا إلا فنان صادق، رحل بإحساسه وسلمه إلى دنيا الفن التشكيلي.
تمثلات أحسست نبلها في الألوان التي أتت متناغمة، وشفرة لن يفك قيدها إلا بليغ متمرس.
كنت أنتقل بين اللوحات، وكلما وقفت أمام لوحة، كان يحملني الرواق إلى أخرى. وبين لوحة وأخرى، حكايات كنت أسمعها بصوت خافت، هي حكايات المتحف الوطني للحلي، وحديقة الأوداية، وموسيقى الإخوة ميكري، وصوت البحر، وعمران الباب الكبير...). وفي كل هذا، أتت لوحات الفنانين كمال وبلمهدي، منتشية، تدون تاريخها في معلمة تاريخية توجد بأرض عاشقة للفن.
ولا أخفيكم الأمر، للحظة تمنيت لو كنت منشطة ثقافية؛ فغبطت أصحاب هذه المهن! استرقت النظر إلى الفنانين، وأحيانا نظرت إليهما فعلا. تأملت لوحات الفنان عبد القادر كمال، ثم نظرت إليه، كان شيء بدواخلي يدفعني لذلك. ثم عاودت الكرة، ففككت شفرة دواخلي، لأعرف أنها كانت تقارن بين ما جاء في اللوحة وبين الفنان.
سألته: هل اسمك فني؟ لم أنتظر الجواب، ثم أردفت سائلة: هل أنت مغربي؟ هل أنت "فنان أكاديمي"؟
قال: أنا مغربي حتى النخاع، فنان عصامي، وهذا اسمي...
فردّت دواخلي، في صمت، تعلن عنه هذه الحروف: كم جميل أن تخترق الإنسان نشوة الاعتزاز والفخر بجرأة فنية منبعثة من أحضان المغرب.
كان سؤالي موجها إلى الفنان عبد القادر كمال، الذي علمت فيما بعد ومن خلال الكاتالوج، أنه فنان عريق طور تجربته وجملها ببحث عظيم ويكفي أن أذكر هنا أن علاقته بدنيا الفن التشكيلي تفوق 20 سنة.
وهنا أعلن لمتلقي هذه الحروف، أن دواخلي رجعت لتساؤلاتها من جديد: كل جزء في لوحاته تجده لوحة فنية في حد ذاتها. هل أتى هذا صدفة؟ لوحاته تستقبل العين والفكر، فكيف توصل إلى هذا؟ بعد هذا، أدركت شيئا ليس بالغريب على قارئ اللوحات وليس بالغريب على قارئ الملامح. أدركت كيف يمكن أن ترسم اللوحة شخصية صاحبها، وكيف يمكن أن تعلن للعالم صدقه واجتهاده. أدركت كيف يمكن أن ترسم لعين المتلقي لوحة ثانية تجسد فيها من يكون هذا الفنان، مع خلاصة قادمة من دنيا الخيال مفادها أن هذا الفنان هو فنان فارس عربي.
إلى هذا، أضيف ملاحظة أخرى، مفادها أن اللوحات المعروضة تجتمع كلها في النقطة والحرف، أبهرتني تقنياتها الرائعة والجميلة في ذات الوقت.
سألته: هلا فككت لي شفرة هذه اللوحة؟
قال: لوحاتي المعروضة هنا تجسد أسماء الله الحسنى. مثلا هنا: ... حرف الحاء، وهنا حرف القاف وهذه الشدة...
تأملت لوحاته، ونظرت إليه هو الآخر. وكأني بذلك أحاول أن أربط العلاقة بين شخصه وبين ما جاد به من عمل فني يستدعي التأمل والسؤال. وأمام انشغالات الفنانين باستقبال الحضور، اختصرت أسئلتي، واقتصرت على سؤال واحد، فتقدم الفنان بلمهدي، وهو أستاذ للفنون التشكيلية، بالجواب والشرح.
وإذا كان المعرض يحمل عنوان "تناغميات الحروف: حوارات تجريدية"، فإني كمتلقية، أعجبت بهذا التناغم الجميل. ليس فقط، بذاك القادم من عمق اللوحات، وأرض الرواق وما يحيط به. وإنما أيضا، أعجبت بذاك القادم من ثنائية اتحدت لتقدم لنا ما جادت به أنامل أفكارهما.
وإذا كان المعرض، قد جسد الحروف العربية في "حوارات تجريدية"؛ فإني، أحسست هذه الحوارات تعزف نغما جميلا واحدا وإن اختلفت أساليبها، أطرب القلب والحواس. وأصبح لا بد لي، من تقديم الامتنان والشكر للفنان عبد القادر كمال والفنان يوسف بلمهدي.
ثق أيها المتلقي، لا تنطق الحروف ولا تطرب الآذان، ولا تسعد القلوب إلا أمام فن صادق وريشة قوية متواضعة.
بقلم خديجة الخليفي 🇲🇦
للإشارة، الصورة تم إنزالها بموافقة جماعية لكل من بالصورة
من اليمين إلى اليسار :
الفنان التشكيلي يوسف بلمهدي
وطبعا أنا هه خديجة
الصحفي عبد المجيد رشيدي
والفنان التشكيلي عبد القادر كمال
Post A Comment: