▪️وَإِنَّ أَفْضَلَ رباطِكُمْ عَسْقَلَانُ | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف


وَإِنَّ أَفْضَلَ رباطِكُمْ عَسْقَلَانُ | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

 

أخرج الطبراني في معجمه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : 

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 


أَوَّلُ هَذَا الْأَمْرِ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ ، ثُمَّ يَكُونُ خِلَافَةً وَرَحْمَةً ، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا وَرَحْمَةً ، ثُمَّ يَكُونُ إِمَارَةً وَرَحْمَةً ، ثُمَّ يَتَكادَمُونَ عَلَيْهِ تَكادُمَ الْحُمُرِ فَعَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ ، وَإِنَّ أَفْضَلَ جهادِكُمُ الرِّبَاطُ ، وَإِنَّ أَفْضَلَ رباطِكُمْ عَسْقَلَانُ .


وقوله صلى الله عليه وسلم :


يتكادمون : الكدم . 


والجهاد ذروة سنام وبقيامه عزة الإسلام وتمكين المسلمين وذل الكافرين .


والجهاد :مصدر رباعي ’ وهو بذل الجهد في قتال العدو وينقسم الجهاد إلى ثلاثة أقسام :


جهاد النفس . 


وجهاد المنافقين .


وجهاد الكفار المعاندين . 


أما النوع الثالث فهو جهاد المبارزين المعاندين المحاربين وهم الكفار الذين أعلنوا وصرحوا بالكفر وهذا يكون بالسلاح . 


ابن عثيمين الشرح الممتع 


ومن ذلك الأمر بالجهاد، والحث عليه، من لازم ذلك الأمر بكل ما لا يتم الجهاد إلا به، من تعلم الرمي بكل ما يرمى به، والركوب لكل ما يُركب، وعمل آلاته وصناعاته، مع أن ذلك كله داخل دخولَ مطابقة في قوله تعالى:


 { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ }


 [لأنفال: 60] 


فإنها تتناول كل قوة عقلية وبدنية، وسياسية وصناعية ومالية و نحوها .


القواعد الحسان للسعدي


ولفضل الرباط فقد عنون البخاري رحمه لله : ( بَابُ فَضْل رِبَاط يَوْم فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) 


وَقَوْل اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ :


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا الْآيَة


قال الحافظ في الفتح :


الرِّبَاطُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ الْخَفِيفَةِ مُلَازَمَة الْمَكَان الَّذِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ لِحِرَاسَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ .


قَالَ اِبْن التِّينِ :


 بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْوَطَنِ قَالَهُ اِبْن حَبِيب عَنْ مَالِك . 


قُلْت : وَفِيهِ نَظَرٌ فِي إِطْلَاقِةِ فَقَدْ يَكُونُ وَطَنُهُ وَيَنْوِي بِالْإِقَامَةِ فِيهِ دَفْعَ الْعَدُوِّ وَمِنْ ثَمَّ اِخْتَارَ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ سُكْنَى الثُّغُورِ فَبَيْنَ الْمُرَابَطَةِ وَالْحِرَاسَةِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ وَاسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ بِالْآيَةِ اِخْتِيَارٌ لِأَشْهَرِ التَّفَاسِيرِ .


فَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وقَتَادَةَ ( اِصْبِرُوا ) عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ ( وَصَابِرُوا) أَعْدَاءَ اللَّهِ فِي الْجِهَادِ ( وَرَابِطُوا) فِي سَبِيلِ اللَّهِ .


وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ :


 اِصْبِرُوا عَلَى الطَّاعَةِ وَصَابِرُوا لِانْتِظَارِ الْوَعْدِ وَرَابِطُوا الْعَدُوّ وَاتَّقُوْا اللَّهَ فِيمَا بَيْنَكُمْ .


وَعَنْ زَيْد بْن أَسْلَم :


 اِصْبِرُوا عَلَى الْجِهَادِ وَصَابِرُوا الْعَدُوَّ وَرَابِطُوا الْخَيْل .


 قَالَ اِبْن قُتَيْبَةَ :


أَصْلُ الرِّبَاطَ أَنْ يَرْبِطَ هَؤُلَاءِ خَيْلَهُمْ وَهَؤُلَاءِ خَيْلَهُمْ اِسْتِعْدَادًا لِلْقِتَالِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :


وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ 


 وَأَخْرَجَ ذَلِكَ اِبْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنِ جَرِير وَغَيْرِهِمَا وَتَفْسِيرُهُ بِرِبَاطِ الْخَيْلِ يَرْجِعُ إِلَى الْأَوَّلِ .


وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعًا :


 وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ .


 وَهُوَ فِي السُّنَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ .


 وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ :


أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوٌ فِيهِ رِبَاط انْتَهَى . 


وَحَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْأَوَّلِ أَظْهَرُ وَمَا اِحْتَجَّ بِهِ أَبُو سَلَمَةَ لَا حُجَّةَ فِيهِ وَلَا سِيَّمَا مَعَ ثُبُوتِ حَدِيثِ الْبَابِ .


 فَعَلَى تَقْدِير تَسْلِيم أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِبَاطٌ ، فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ الْأَمْرِبِهِ وَالتَّرْغِيب فِيهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَأَمَّا التَّقْيِيدُ بِالْيَوْمِ فِي التَّرْجَمَةِ وَإِطْلَاقُهُ فِي الْآيَةِ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ مُطْلَقَهَا يُقَيَّدُ بِالْحَدِيثِ فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ أَقَلَّ الرِّبَاط يَوْمٌ لِسِيَاقِهِ فِي مَقَامِ الْمُبَالِغَةِ وَذِكْرُهُ مَعَ مَوْضِعِ سَوْطٍ يُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ أَيْضًا. (انتهى).


وعسقلان :


بلدة قديمة بناها الكنعانيون ونزلها الفلسطينيون فتحها العرب سنة 23 هجرية على يد الصحابي معاوية رضي الله عنه  تقع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط على بعد 21 كم شمال مدينة غزة عند التقاء دائرة 31و40 شمالا وخط طول 34و35 شرقاً .


وقد كانت على مدى تاريخها الطويل ذات شأن اقتصادي بسبب مينائها البحري وموقعها الاستراتيجي القريب من الحدود المصرية ومواجهتها للقادمين من البحر تجاراً وغزاة ، وقد كانت منذ القدم محطة هامة من سلسلة المحطات الممتدة على طول السهل الساحلي الفلسطيني ، حيث اعتادت القوافل التجارية والحملات العسكرية المرور بها للراحة والتزود بالمؤن . 


وفي العصر الحديث أصبحت محطة هامة لخط سكة حديد القنطرة حيفا، كما يمر بها الطريق المعبد الرئيسي الذي يخترق فلسطين من الجنوب إلى الشمال على طول الساحل .


أما لفظ عسقلان فطبقا لما ورد في لسان العرب :


 يعني أعلى الرأس كما جاء فيه إنها بمعنى الأرض الصلبة المائلة إلى البياض .


 وقد أورد الأستاذ مصطفى الدباغ أن اسم عسقلان هو عربي كنعاني الأصل بمعنى المهاجرة .


ومنذ العام 1124م بعد سقوط صور بيد الصليبيين بقيت عسقلان معقلاً وحيداً على الساحل وتصدت لهجماتهم المتكررة إلى أن سقطت بيدهم سنة 1153م.


حررها صلاح الدين الأيوبي عام 1187م من الصليبيين ، ولكنهم عادوا واحتلوها مرة ثانية على يد " ريتشارد قلب الأسد " عام 1192م بعد سقوط عكا بأيديهم إلا أن صلاح الدين قبل انسحابه من المدينة أمر واليها بهدم المدينة وسورها حتى لا تكون حصناً للفرنجة يقطع الطريق بين مصر والشام .


وبعد هذا بدأ نجم عسقلان في الأفول إلى أن دمرت نهائياً سنة 1270 م على يد السلطان الظاهر بيبرس ، لتسلم الدور التاريخي إلى المجدل التي تقع على بعد 6 كم إلى الشمال الشرقي منها .


وتعد الجورة حوالي 3000 نسمة قبل الهجرة عام 1948 . 

مساحة البناء فيها حوالي 50 دونما ً.

أراضيها ملك لأهلها .


شيدت معظم أبنيتها من (خرائب عسقلان) المجاورة .


اشتهرت عسقلان بكثرة من نسب إليها من الحفاظ والعلماء .


قال ابن أبي حاتم : سمعت عمرو بن سواد قال لي الشافعي : ولدت بعسقلان فلما أتى علي سنتان ، حملتني أمي إلى مكة .


وقال ابن عبد الحكم:


 قال لي الشافعي: 


ولدت بغزة سنة خمسين ومائة، وحملت إلى مكة ابن سنتين .


السير للذهبي 


فالذي يجمع الأقوال انه ولد بغزة عسقلان .


ومن الأفذاذ الذين سكنوا عسقلان كذلك :


آدم بن أبي إياس واسمه عبد الرحمن بن محمد العسقلاني استوطن عسقلان إلى أن مات بها روى عن ابن أبي ذئب وشعبه وشيبان النحوي وحماد بن سلمة والليث وورقاء وجماعة وعنه البخاري والدارمي وأبو حاتم وأبو زرعة قال أبو داود ثقة .


وغيرهم كثير ومن أبرزهم الحافظ ابن حجر العسقلاني ذو الأصول العسقلانية تفرد ابن حجر من بين أهل عصره في علم الحديث مطالعة وقراءة وتصنيفاً وإفتاءً حتى شهد له بالحفظ والإتقان القريب والبعيد والعدو والصديق، حتى كان إطلاق لفظ الحافظ عليه كلمة إجماع بين العلماء، وقد رحل إليه الطلبة من الأقطار وطارت مؤلفاته في حياته وانتشرت في البلاد وتكاتب الملوك من قطر إلى قطر في شأنها وكانت له اليد الطولى في الشعر ، وله ديوان شعر متوسط الحجم مطبوع.


وتولى ابن حجر الإفتاء واشتغل في دار العدل وكان قاضى قضاة الشافعية وعني ابن حجر عناية فائقة بالتدريس واشتغل به ولم يكن يصرفه عنه شيء حتى أيام توليه القضاء والإفتاء وقد درّس في أشهر المدارس في العالم الإسلامي في عهده من مثل (المدرسة الشيخونية والمحمودية والحسنية والبيبرسية والفخرية والصلاحية والمؤيدية ومدرسة جمال الدين الآستادار في القاهرة ( وجمال الدين هذا من أهالي البيرة قرب رام الله في فلسطين).


له مؤلفات وتصانيف كثيرة زادت على مئة وخمسين مصنفاً في مجموعة من العلوم المهمة ومنها فتح الباري شرح صحيح البخاري (خمسة عشر مجلداً ) ، ومكث ابن حجر في تأليفه عشرين سنة ( ولما أتم التأليف عمل مأدبة ودعا إليها أهل قلعة دمشق وكان يوماً عظيماً ) .


ويعتبر هذا السفر العظيم أفضل شرح وأعمه نفعاً لصحيح البخاري الذي يعتبر ثاني كتاب بعد كتاب الله ، وتأتي أهمية كتاب ابن حجر من كونه شرحاً لأصح ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث وقد تضمن ذلك الشرح ذكر أحاديث أخرى وعلق ابن حجر على أسانيدها وناقشها حتى كان بحق ( ديوان السنة النبوية )، وكذلك لما تضمنه من فقه وأصول ولغة ومناقشة للمذاهب والآراء في شتى المعارف الإسلامية . 


وقد اشتهر هذا الكتاب في عهد صاحبه حتى قبل أن يتمه وبلغ شهرته أن الملك شاه رخ بن تيمور ملك الشرق بعث بكتاب إلى السلطان برسباي يطلب منه هدايا من جملتها ( فتح الباري ) فجهز له ابن حجر ثلاث مجلدات من أوائله.


رحم الله ابن حجر رحمة واسعة .


ونختم بتلخيص ما سبق من كتاب إتحاف الأنام بفضائل المسجد الأقصى الشام :


قوله صلى الله عليه وسلم ثم يتكادمون عليه تكادم الحمر هو من أعلام ودلائل نبوته .


وقوله : عليكم بالجهاد .


دل النبي صلى الله عليه وسلم على المخرج من أزمة الفتن التي يعيشها المسلمون حين تتوج بفتن الخروج على ولاة الأمر، وفيها إشارة إلى ضعف دين المسلمين، وأنهم يتنازعون السلطة، بسبب التفرق والاختلاف، وانتشار الحزبية بينهم ، مما يعني ضرورة العودة إلى الدين ولا يتأتى ذلك إلا ببناء العقيدة السلفية الصحيحة أولاً، والرباط على ذلك، وبذل الجهد في نشر دعوة الحق.


ومن ثم كان قوله : 


وإن أفضل رباطكم عسقلان .


إشارة إلى أفضل الرباط على اعتبار أن هذا الرباط في بلاد الشام، وبلاد الشام مطمع الكفار وهو أيضاً من دلائل نبوته .


ومن تتبع تاريخ المدينة منذ القدم يرى أهمية موقعها الاستراتيجي الذي كان هدف الغزاة الأول للنفاذ إلى فلسطين، فالسيطرة عليها كان يعني التحكم في الطرق المؤدية إلى معظم أنحاء فلسطين شمالاً وجنوباً وشرقاً، يضاف إلى ذلك التحكم منها في حركة المواصلات البحرية.




Share To: