أبيض وأسود | بقلم الكاتبة السودانية تسنيم عبد السيد
![]() |
أبيض وأسود | بقلم الكاتبة السودانية تسنيم عبد السيد |
ماذا لو توحّدت كلمة المسلمين تجاه القضية الفلسطينية وأعلن جميع حُكام الدُول المسلمة تأييدًا واضحًا ودعمًا قويًا للفلسطينيون على أعداءهم؟! كيف ستكون ردة فعل دول الغرب المساندة لإسرائيل والداعمة لأفعالها؟!
أعتقد أن كثير من المعادلات والحسابات ستتغير حينها، أو على الأقل ستتزن كفتي الميزان، هذا إن لم ترجح لصالح حق الفلسينيين في أرضهم.
لا يوجد مسلم على وجه الأرض لا يتمنى تحرير فلسطين، لكن ماذا فعلوا لأجل تلك الأُمنية؟!
أين نحن اليوم من الخليفة العباسي المعتصم بالله، الذي سيَّر جيشًا لإنقاذ امرأة مسلمة واحدة، تجنّى عليها بعض أعداء الإسلام من الروم، فصرخت: "وا معتصماه"، وبلغت صيحتها خليفةَ المسلمين، فكانت الاستجابة زلزالًا هزّ بلدة عمورية وكان سببًا في تحريرها من قبضة المشركين.
مع العلم أن القضية اليوم ليست فلسطين وحدها، وإنما الإسلام والمسلمون في كل مكان، فإننا في هذا الزمان أدعى وأولى من أي وقت مضى لإتحاد حقيقي يُقوي شوكة الأمة، يلوذ ضعيفها بالقوي، حتى إذا صرخ مسلم في غرب الأرض يتحرك الشرق لأجله فيُغاث ويُلبى نداءه.
فإن تعاضد المسلمين وتمسكهم بأخلاقِ دينهم وقِيَمِه الفاضلة، له تأثير كبير على الآخر غير المسلم، ويُغني عن مئات الخُطَب والمواعظ، فنُصرة المستضعفين وإغاثة الملهوفين ومعاونة المحتاجين تُعد من صالحات الأعمال، فالدين المعاملة كما قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لذا فإن مثل تلك المواقف هي من نشر سماحة الدين، ورُبَّ موقفٍ خيرٌ من ألف كلمة، فاخلاق هذا الدين تبقى مثيرة للدهشة والإعجاب للمسلمين أنفسهم فكيف بغيرهم؟!
لذلك على المسلم أن يعلم أن الإسلام هو أقوى رابطة اجتماعية وأكثر علاقة إنسانية ينبغي الحرص عليها، فعلاقة المسلمين فيما بينهم وأُخوّة الإسلام أولى من أُخوّة الدم في حال اختلفت ديانات أهل البيت الواحد، فالغريب المسلم أولى من القريب المشرك، ويُذكر أنه في غزوة بدر، وقع عدد من أسرى المشركين في أيدي المسلمين، ففرَّقهم النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، وقال: "استوصوا بالأُسارى خيرًا"، وكان من ضمن الأسرى أبو عزيز بن عمير، شقيق الصحابي مصعب بن عمير، فمرّ مصعب بأخيه أبو عزيز ورجل من الأنصار يأسره، فقال مصعب للأنصاري: "شُدَّ يدك به، فإن أمه ذاتُ متاع، لعلها تفديه منك"، فقال أبو عزيز لأخيه مصعب: "يا أخي أهذه وصاتُك بي؟!" فقال له مصعب: "إنما أخي هذا الأنصاري".
إن ترجمة تلك الآمال على أرض الواقع يتطلب كثير من الجهد وقوة الإرادة والإيمان بأن أمة الإسلام قوية وحبلها متين، يربط بين أواصرها شرع معتدل قويم لا شدة فيه ولا تفريط، مع اليقين التام بأن الله لن يُغير ما بقومٍ حتى يُغيروا ما بأنفسهم، فتحتاج أمتنا اليوم لإصلاحات عديدة وتغيير لكثير من المفاهيم الخاطئة أو الملتبسة عند كثير من الناس، لعلّ آخرها ما يحدث في العالم اليوم من بعض المنتمين للإسلام الذين من جهلهم وسوء تدبيرهم يحسبون أن استهداف واغتيال كل إسرائيلي في أي مكان بالعالم دون مسوِّغ أو سبب غير أنه يهودي أو من إسرائيل هو تضامنًا مع القضية، لَعمري ما هذا الهُراء؟!
إن الأصل في تعامل المسلم مع الكافر أيًّا كان يهوديًّا أو نصرانيًا، التعامل بالحسنى، فتعدِّي اليهود على أرض فلسطين هو من الظلم غير المقبول لأيّ إنسان ذي فطرة سليمة، لكن ذلك الفعل ليس مُسوِّغًا لتصوير الإسلام على أنه دين انتقام وعداء بلا رحمة، لا فرق فيه بين المعتدي والمسالم! لقد أمر الخالق سبحانه وتعالى عباده بإقامة العدل بين الناس مهما اشتدت العداوة، وألا تعمى القلوب بالبغضاء والكُره، فتحمل المسلم على ظُلم الكافر أو إهانته أو الإساءه إليه وذلك بقوله تعالى في سورة المائدة: ((..وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَأن قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)).
أعتقد أن من أَكثر المفاهيم التي تحتاج لتصحيح في عقول المسلمين في هذا الزمان، مفهوم (الجهاد)، فالإسلام لم يأْمُر بقتال المشركين أو الكفار إلا في حالات محدودة جدًا تطغى فيها الصبغة الإنسانية على الدينية، أهمها محاربة من بَدأَ بقتال المسلمين، فالمسلم يتوجب عليه الدفاع عن نفسه وعرضه وأرضه، وذلك ليس اكتشافًا جديدًا وإنما منذ بداية الدعوة ومبعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يؤمر المسلمون بقتال المشركين إلا بعد أن بدأوهم بالعداء والقتال وأخرجوهم من ديارهم، فلم يكن قتالًا لإجبارهم على الإسلام ولكن للدفاع عن النفس أولًا ثم الدين والعرض والأرض.
تسنيم عبد السيد
tabdelseed92@gmail.com
Post A Comment: