الْمَسَاجِدُ أَفْضَلُ الْبِقَاعِ | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف


الْمَسَاجِدُ أَفْضَلُ الْبِقَاعِ | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
الْمَسَاجِدُ أَفْضَلُ الْبِقَاعِ | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف 

 


   إِنَّ  مِنْ سُنَنِ اللَّهِ الْكَوْنِيَّةِ الثَّابِتَةِ: التَّفَاضُلَ بَيْنَ الْمَخْلُوقَاتِ لِحِكْمَةٍ مِنَ الْحِكَمِ، فَجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَفْضَلُ الْمَلَائِكَةِ، وَسَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ ﷺ أَفْضَلُ الْخَلْقِ، وَالسَّمَاءُ السَّابِعَةُ أَفْضَلُ السَّمَاوَاتِ، وَالْفِرْدَوْسُ الْأَعْلَى أَفْضَلُ الْجِنَانِ، وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ، وَرَمَضَانُ أَفْضَلُ الشُّهُورِ، وَالْمَسَاجِدُ أَفْضَلُ الْبِقَاعِ، وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ أَفْضَلُ الْمَسَاجِدِ .


 قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: 


وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ


  الْـمَسْجِدُ هوَ: الْبَيْتُ الْمَوْقُوفُ خُصُوصًا لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَالتَّسْبِيحِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهَا... 


وَفِي هَذَا يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: 


فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ


 وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: 


إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لاَ تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلاَةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. 


وَأَوَّلُ مَسْجِدِ بُنِيَ فِي الْأَرْضِ لِعِبَادَةِ اللَّهِ هُوَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، وَيَلِيهِ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى الْمُبَارَكُ .


قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:


 إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ. 


وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: اَلْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى، قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟  قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً.


الْحَقَّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيّنَ فَضْلَ الْمَسَاجِدِ وَمَا لَهَا مِنَ الشَّرَفِ الْعَظِيمِ عِنْدَهُ، وَأَضَافَهَا إِلَى نَفْسِهِ إِضَافَةَ تَشْرِيفٍ وَتَعْظِيمٍ وَرِفْعَةٍ، لِكَيْ يَسْتَشْعِرَ الْمُسْلِمُ هَذِهِ الْمَكَانَةَ الْعَظِيمَةَ، قَالَ سُبْحَانَهُ:


 وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا. 


وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: 


فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ


 قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَعْرِضِ تَفْسِيرِهِ لِهَذِهِ الْآيَةِ:


  أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَعَاهُدِهَا وَتَطْهِيرِهَا مِنَ الدَّنَسِ وَاللَّغْوِ وَالْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الَّتِي لَا تَلِيقُ فِيهَا.


 وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا.


وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ ﷺ قَالَ: 


اَلْمَسَاجِدُ بُيُوتُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، تُضِيءُ لِأَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا تُضِيءُ نُجُومُ السَّمَاءِ لِأَهْلِ الْأَرْضِ. 


إنّ دَوْرُ الْمَسْجِدِ فِي الْمُجْتَمَعِ هُوَ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَتَدَارُسُ الْعِلْمِ النَّافِعِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: 


فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ.


وَإِذَا تَمَّ تَحْقِيقُ هَذَا الْهَدَفِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، سَوْفَ يَنْعَكِسُ ذَلِكَ إِيجَابًا عَلَى الْمُجْتَمَعَاتِ، فَتَصْلُحُ عَلَى كَافَّةِ الْمُسْتَوَيَاتِ، فَنَجِدُ فِيهَا الْوَلَدَ الْبَارَّ، وَالتَّاجِرَ الصَّدُوقَ الْأَمِينَ، وَالْمُعَلِّمَ الْمُخْلِصَ، وَالصَّانِعَ الْمُتْقِنَ.


 وَلِذَلِكَ نَجِدُ دِينَ الْإِسْلَامِ يَقَفُ فِي وَجْهِ كُلِّ مَنْ أَرَادَ تَعْطِيلَ دَوْرِ الْمَسْجِدِ، لِأَنَّهُ إِطْفَاءٌ لِنُورِ اللَّهِ وَإِهْلَاكٌ لِلْحَرْثِ وَالنَّسْلِ .


قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: 


وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ.


 فَمِنْ هُنَا نَعْلَمُ أَنَّ الْمَسَاجِدَ لَا يَقْتَصِرُ دَوْرُهَا عَلَى الصَّلَوَاتِ، بَلْ إِنَّهَا تَجْمَعُ النَّاسَ عَلَى طَاعَةِ رَبِّ الْبَرِيَّاتِ، وَتَنْشُرُ التَّآخِيَ وَالتَّرَاحُمَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ .



Share To: