فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف


فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف



إن الله تعالى أمر عباده بأوامر أوجب عليهم فعلها، ونهاهم عن مناهٍ كلفهم بتركها .


قال الله تعالى : 


إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ


[النحل:90]


 ووعدهم سبحانه بأن من فعل ما أمر وترك ما نهى عنه وزجر؛ فسيدخله الجنة، ومن خالفه في ذلك فسيعاقبه في النار وبئس القرار .


قال تعالى : 


وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ


[المائدة:10]


فكما أن الله تعالى كتب الجنة والفوز بها لأهل الإيمان بفضله؛ فقد كتب العقوبات العاجلة والآجلة على العصاة والكفار بعدله...

 

إن من يتأمل في العقوبات التي تصيب الناس والآلام التي تحل بهم، لا يجد سوى أنهم أوجبوها على أنفسهم باقتراف المحرمات ومبارزة رب البريات بالذنوب والمعاصي .


وصدق الله حيث قال في كتابه العزيز: 


وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ


[الشورى:30]


وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 


يا معشر المهاجرين: خصال خمس إن ابتليتم بهن ونزلن بكم وأعوذ بالله أن تدركوهن

لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، 

ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنِعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولا نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدو من غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم .


رواه البيهقي


وبهذا يتجلى أن ما يحصل في الحياة من مكروهات؛ فهو بسبب عمل السيئات، وما نزل بالإنسان من عقوبات، وحل في الأرض من مصيبات فطريقه ذنوب الإنسان وخطيئاته..


والعقوبات منها ما هو قدري لا سلطان فيها لأحد من الخلق،  بل تقع بقدر الله تعالى كالأمراض والآلام والزلازل والفيضانات والفتن وغير ذلك، 

وذلك حينما يُعلن بالمعاصي وتكثر وتعطل الحدود وعقوبات الجرائم؛ فتنزل حينئذ تلك البلايا عقوبة عامة..

 


والعقوبة القدرية تكون عامة وخاصة؛ فإن المعصية إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها، وإذا أُعلنت ضرت الخاصة والعامة، وإذا رأي الناس المنكر فاشتركوا في ترك إنكاره أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه .

 


فعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا أيها الناس: إنكم تقرؤون هذه الآية: 


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ


[المائدة:105]


 وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: 


إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده .


رواه أبو داود والترمذي


وعن ميمونة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: 


لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا، فإذا فشا فيهم ولد الزنا فأوشك أن يعمهم الله بعذاب .


رواه أحمد

 

ومن العقوبات ما هو شرعي: العقوبات الشرعية؛ فهي عقوبات خاصة حددتها الشريعة على بعض الذنوب الكبيرة؛ زجراً لأصحابها وتطهيراً للتائب منهم، وتحذيراً للناس لئلا يقعوا في مثل تلك الجرائم فيصيبهم ما أصاب أهلها..


وقد جاءت الشريعة بقتل المرتد، ورجم الزاني المحصن، وجلد الزاني البكر، وجلد شارب الخمر، وجلد القاذف، وقطع يد السارق. نكالاً من الله، والله عزيز حكيم..

 

إن الناظر إلى واقع الحياة بعاطفة مجردة عن الإيمان، فاقدة للفهم الصحيح، خالية من العلم بالله وبما شرع وقدَّر؛   قد يحتار حينما يرى الفريسة والمفترس، والظالم والمظلوم، والعقوبة والمعاقَب، والأمراض والمرضى؛ فيقول: كيف يكون هذا؟!!


ولو نظر نظرة صحيحة قائمة على الإيمان بالله وحسن الظن به، نظرةً مشرقة بنور الإيمان والعلم الصحيح لتغيرت نظرته، وتبدلت فكرته، وعلم أن وراء ذلك عدلاً إلهيًا وحِكَمًا وغايات يحيط بها الحمد والمدح من كل جانب، ويشرق من نواحيها الخير العاجل أو الآجل...


فتلك العقوبات هي فصل من فصول التأديب الإلهي؛ زجراً للعصاة عن الاستمرار في معاصيهم، وموعظة لغيرهم أن يسيروا على منوالهم؛ فالمرض بذنوب، والحروب بذنوب، 

والهموم بذنوب، والزلازل بذنوب أيضًا .


 عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، كيف الصلاح بعد هذه الآية: 


لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ


[النساء:123]


وكل شيء عملناه جُزينا به؟! 


فقال: غفر الله لك يا أبا بكر، ألست تمرض، ألست تحزن، ألست يصيبك اللأواء؟

 قال: فقلت: بلى 

 قال: “هو ما تجزون به .


رواه ابن حبان


فلعل مصابًا بعقوبة، أو من تبلغه يرجع عن ذنبه، 

قال تعالى : 


ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ


[الروم:41]

 


وتلك العقوبات أيضًا تمحيص للمؤمنين، وتكفير لسيئاتهم، ورفع لدرجاتهم، وهي للكفرة والفجرة محق وإراحة من شرورهم..


وبعض تلك العقوبات التي تؤدي إلى موت حبيب أو قريب، أو مظلوم أو بريء ، قانون من قوانين استمرار الحياة وتوازنها؛ إذ لو بقيت الحياة بدون ذلك لضاقت وتعقد العيش فيها، 

غير أن ميزان العدل الإلهي لن تفوته مظلمة، ولا مصيبة صبر صاحبها عليها، واحتسب عند الله أجرها..

  

ما أحسنَ التسليم للقادر، والرضا بقضائه وحكمه، والاعتبار بما جرى من عقوباته وأقضيته بين عباده!

 

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل طاعته، ويباعد بيننا وبين معاصيه، وأن يحفظنا من كل سوء ومكروه .




Share To: