(ولا تمّدن عينيك)
بقلم الكاتب و المفكر أ. رامي محمد


يقولون بأن الأعمى أقل شقاء وتعاسة مما قد يتصوره المبصر، يتضح هذا في هالة الهدوء واللطف التي تحيط به، والسرور وبسمة الرضا الدائمة المرسومة على وجهه.

هذه الفكرة تفسر جزءًا من السبب الذي يجعل النصف الأخير من عمر الإنسان مطبوعا بشيء من الحزن الذي تجلّيه الملامح.

فعلى قدر ما تضيق دائرة الرؤيا والحركة والارتباطات عند الإنسان، يعيش سعادة غامرة بالفرح، وكلما اتسعت تلك الدائرة كبرت وتضاعفت معها صنوف الهم والحرن!

في الطفولة يكون أفق الإنسان محدودًا بمحيطه الأقرب وعلاقاته القريبة، ثم سرعان ما يتسع مدار تلك العلاقات في مرحلة المراهقة، ويتسع مدى نضجه لآماد غير مسبوقة،  فيحصد الضجر الذي يكون مصدراً غير مباشر لمعانٍ كثيرة من المعاناة والإحباط بسبب هذا الاتساع.

وربما من الآيات اللطيفة التي تكررت في الخطاب القرءاني؛  والتي تؤكد تلك الفكرة (ولا تمّدن عينيك) وكأن من شرط الراحة في الحياة؛ التحديد الخارجي لدائرة الحركة وتقليص النظر ومداه! 

فالسعيد هو المقيم في محيط محدود، وأجواء من البساطة التي تلف علاقاته وارتباطاته، وكلما اتسع ذلك المحيط كلما اغتم أكثر، السعيد هو من ينعم بغلبة التجانس مع الأشخاص المحيطين به، والرتابة على نمط عيشه طالما أنها لا تبعث على السأم. هو من تمضي حياته كجدول ماء منساب؛ خالٍ من الأمواج والدوامات.
Share To: