عدم التركيز..
بقلم الكاتب و المفكر أ. رامي محمد 


لاحظ أن كل شيء حولك يدعو إلى -عدم التركيز- البرامج المتلفزة تقاطع بالإعلانات كأن المتابع مشروط بحالة عدم التركير، تطبيقات -الكتاب المختصر- كبديل عن قراءة الكتاب الكامل، حيث يتوهم الإنسان أنه سيحصل على خلاصة الأفكار من ذلك الاختصار!

المنشورات السريعة حول الأفكار التي تعالج في أبحاث مطولة! مقاطع الڤيديو القصيرة التي لا تتجاوز دقيقتين، لتلخص تصورك تجاه دولة أو حرب أو حدث! لعلم (التاجر) أن الجمهور في عصر التوهان لا يشاهد المقاطع الطويلة!

كل هذا ساهم بشكل ما في تغييب وعي الإنسان وتسطيح الجماهير، وكان له أثر سيء في فكرة استلاب البشر! 

نتيجة لذلك كانت قلة التركيز أثناء إجراء المحادثات، بل وحتى إن كان الشخص بمفرده، فإنه يتجنب التركيز على أي شيء، لوفرة المسليات المحيطة به! يشتت نفسه بين أشياء كثيرة، فتكون الحصيلة إنسان لا يملك تصورًا أو فكرة أو رؤية واسعة تجاه أي شيء يملك أحكامًا قشورية عن كل شيء! 

اذكر نصا -لألسكند بوشكن- يحكي فيه -أن المرء إذا أراد أن يصبح إنسانًا حقًا، فعليه أن يقرأ ثلاثة كتب فقط، ولأن تحديد هذه الكتب الثلاثة أمر صعب، عليه أن يقرأ كل الكتب المتاحة)

الفكرة أن أثر القراءة لا يتحقق بتلك السطحية والبحث عن المختصرات، وأن لها نفع يتعدى فكرة المعلومة، وهو تهذيب الانسان وتخفيف توتره بإخراجه من عقله قليلا، وإنعاش روحه، وتدريبه على اليقظة!

وكذلك التماهي مع كل شيء نقوم به والانغماس في اللحظة، سواء كان شخصًا نحدثه، أو بذرة نغرسها، أو طعامًا نتناوله، فلسفة تجعل منا بشرًا سعداء كاملي الأهلية! والوصول لتلك اليقظة لا يتحقق حتمًا من على سطح الأشياء بل بالانهماك فيها! 

لذلك الباحث عن الوعي، لا بد أن يمارس السكون التام أمام الحدث. 

ولهذا طريقة بسيطة أقوم بها وأجد لها كبير أثر في الحفاظ اليقظة. وهي تدريب الجلوس كل يوم ولو لدقائق بسيطة، ولو مع عدم التفكير في أي شي! أدرك ما يجري بداخلك، راقب حركة أنفاسك! ابدأ بخمس دقائق. ركز على هدف أمامك. لتكن مزهرية، وردة، ورقة، كتاب، سماء، قارب. المهم أي شيء يكون لك كنقطة تركيز، وضاعف الوقت قليلا مع الأيام. وستجد لهذا أثر كبير على تركيزك! 

بالطبع قد يعتقد البعض أن هذا سهلا، لكنه سيعرف حال البدء أنه بالغ الصعوبة، ربم سيتململ ويرفع ذراعيه ويحاصر بكم هائل من الأفكار التي تشتته! لكنه مطلب يستفز المحاولة، لأن الحياة تستحق أن نعيشها بوعي حقيقي، بدلًا من ممارستها كحالة من الغياب!
Share To: