الفرح يحتاج إلى الانتباه..
بقلم الكاتب و المفكر أ. رامي محمد
سمعت عبارة من أحد أساتذتي يقول فيها "الفرح لا يأتي بالطلب؛ لكنه يحتاج إلى الانتباه. فهو المناخ الملائم له"
أعتقد أن غياب الفرح وغلبة الحزن على طبيعتنا الإنسانية، يعتمد في جزء كبير منه على غياب فكرة الانتباه، وأن الشتات بوابة الحزن والضيق.
فترانا نعمل ونحن نفكر في شيء آخر، نتحدث مع الناس بحواسٍّ ليست متنبهة، نتنزّه وأفكارنا مرتحلة في عوالم أخرى، ونرى الجمال في غمرة الانشغال بهموم الحياة. وبين كل هذا لا يتوفر المناخ الملائم لمصادفة الفرح!
الفرح غالبًا ينطلق عبر التجارب الحسية، يعني أن يحسن الإنسان النظر والسمع والتذوق. هذا الاستقبال السخي للواقع، هو ما يُمهد الطريق إليه ويمنحه فرصة الظهور!
فما يمنح القيمة للحياة والأفعال، ليس كم المنجزات، بل نوعية الحضور الذي نضفيه على كل فعل من أفعالنا، وبالمراقبة تجد أن الكثير من الناس يهتم بالكم طمعًا في مضاعفة التجارب، بصرف النظر عن عمق الشيء وأثره في القلب، وبالتالي هذا النوع يفتقد لفكرة الثراء الداخلي الذي يجلب الفرح.
لا يستهويني السفر مع الشخص الذي يبحث عن المسارات الأكثر اكتمالًا ليتمكن من العبور السريع على أكبر المزارات في المدن أو الدول، فأنا لا أتعامل مع السفر كأنه أشغال شاقة، أوليقال أني زرت أكبر عدد من الأمكنة، بل أفضل تذوق القليل والانتباه له عن الانشغال بالكثير..
الاستغراق في حديث مع بائع الشارع وسائق السيارة وإقامة علاقات مع ساكني الأمكنة، والتروي مع التفاصيل، وحتى فكرة التقاط الصورة أستحسنها بعد قضاء فترة طويلة في المكان تقديرًا له، وبعد الشعور بأثر تفاصيله بداخلي. وهذا من أعظم ما يجلب السرور في القلب.
فلو أنك شاهدت مشهدًا طبيعيًا وأنت منتبه لتناغم الشكل وشعاع النور بين الأشجار المتشابكة، وحركة الموج، ومشهد الفجر والغروب، واللون والنور والرائحة والصوت أو مجرد الصمت، فسيكون بوسعك أن تشعر بالفرح، حين يغزو شعورك جمال الطبيعة بأثرها القوي!
ولو أنك كنت حاضرًا مع الآخر بكل حواسك وأصغيت إليه باهتمام، ستكتسب احترام الناس ومحبتهم، وهذا أيضًا من أعظم مسببات الفرح، لأنك تمارس أفضل الطرق لتكوين علاقة إنسانية عميقة وملهمة بـ -الإصغاء والانتباه- ولأنك تخبرهم ضمنيًا أنك تقدر ما يقولون، وأنك متواضع بما يكفي لتصغي لكل كلماتهم.
حتى العبادة حين لا تمارس بما يطلق عليه المتصوفة -الحضور- لا يبقى لها كبير أثر في قلب الإنسان، وكذا حين تستمع إلى موسيقى آسرة أو تشاهد عملًا فنيًا مبهرًا فتجد نفسك متبلدًا تجاه الجمال، ولا تشعر بين كل هذا بأي أثر؛ فلأنك تمارس الفعل وأنت مشغول بآخر.
ومن اللطيف بعض الطرق العلاجية الخاصة بفكرة الإدراك أو نظرية -Gestalt psychologie- وهي بالأساس نظرية ألمانية حول فكرة التعلم بالاستبصار عن طريق الحواس، أوتعلم الإدارك من جديد، عن طريق اللمس ووصف ما نشعر به. وكيف نميز المشاعر المصاحبة للمدركات..
فكرة تكلف الشعور بكل شيء حولنا والانتباه الشديد وتحرير المشاعر المكبوتة، بشكل لا تنفصل فيه الحواس عن الحضور، لأننا حين نمنح الوقت للأشياء بشكل كافي، فإننا بذلك نمهد الطريق لشعور الفرح أن يتجدد فينا دائمًا!
Post A Comment: