أعيش منذ سنوات أنا و زوجتي و أولادي بأحدي ضواحي العاصمة الالمانيه بعدما تركت مصر تقريباً بشكل كلي بعد وفاة أمي منذ خمس سنوات و سبقها ابي منذ عشرين عاماً و بذلك لم يبقي لي احد فالوالديا لم ينجبا غيري

و كان أبي يسافر الي المانيا كثيراً لحضور المؤتمرات الطبية بحكم عمله كطبيب و كان يقوم بأصطحابي أنا و أمي في كل مرة سافر فيها فلقد كان يحبنا كثيراً و اعجبتني كثيراً تلك البلد لجمالها و النظام الذي يسودها و نظافة شوارعها و العدالة الأجتماعية و المساواة بين كل أفراد المجتمع

ثم و في ذات ليلة تعرضت لحادث سيارة أليم بعدما أنفجر أحدي اطارات سيارتي الأمامي بقوة مما أفزعني بشدة و جعلني ارتبك كثيراً و في لحظة فقدت السيطرة علي سيارتي و أنقلبت و نُقلت علي اثر ذلك الي المستشفي في حالة يُرثي لها و كنت و أنا بين اليقظة و الأغماء أسمع همهمت من حولي من مسعفين و ممرضات و اطباء استقبال الحالات بالمستشفي و شدة تعاطفهم معي من هول اصابتي و التي كلها كانت تعني انني لن يأتي نهار اليوم التالي الا و قد فرقت الحياه

أعدوا غرفة العمليات و أدخلوني اليها بسرعة ثم حضر طبيب التخدير و جاء الجراح و خلال حقني بالمخدر شعرت بيد تُوضع علي صدري برفق شديد و يقول صاحبها أطمئن سوف تنجو ان شاء الله و كان الجراح الذي سيجري لي العمليه

ثم و بعد قليل سقط رأسي علي الجانب لأري أمي خلف الزجاج و هي تبكي بكاءاً شديداً علي ما أصابني و تنظر الي الأعلي تارة و تدعوا و تنظر الي أُخري ثم لحق و وقف بجانبها أبي و هو يحمل ابني الأصغر و بيده الأخري ابني الأكبر و تجاوره زوجتي الا ان الغريب كانوا كلهم في حالة بكاء الا طفلي و كأنهما لا يرونني او انهم لا يستوعبون هول ما انا فيه

و بعدما أفقت من المخدر رأيت أمام عيني خلف الزجاج زوجتي و ابنائي و لم أري أمي و أبي فلقد انتهت زيارتهما فور استيقاظي من منامي و تمنيت لو انني لم استيقظ حتي أظل أري كل أحبتي

بعد أيام أنتقلت من غرفة العناية الفائقة الي غرفة يُسمح فيها بالزيارات و بدأت أري زوجتي و اولادي و أتحدث اليهم لبعض الوقت و بمرور الوقت تحسنت حالتي و صُرح لي بمغادرة المستشفي

و في ليلة خروجي من المستشفي جائني الجراح الذي اجري لي العملية بنجاح و بالطبع صرت اشكره و ادعوا له بالخير و هو ينظر الي مبتسماً 
و يقول لي : لا داعي لشكري هذا واجبي 
ثم تحدث بالعربية و قالي لي : و بعدين احنا مصريين زي بعض
ففؤجت برده و قلت له : انت مصري؟ 
فقال لي : نعم و أعرف والدك ايضاً
فتعجبت : تعرف والدي؟!
قال لي: نعم الم يكن والدك طبيب و كان يعمل بمستشفي في مصر؟! 
قلت له : نعم.. و كيف كنت تعمل معه ؟
قال لي : و ما العجب في انني كنت أعمل مع والدك؟!
 قلت له : لأن والدي مات منذ عشرين سنه و انت تبدو في اواخر العقد الثالث من عمرك و من المؤكد انك كنت طفل حينها
تبسم و شرد ثواني معدودة و قال : سبحان الله ... صحيح فعلاً
قلت له : اذا كيف تعرفه ؟! و مما تتعجب؟ فأنا أحق ان اتعجب

تابع حديثه معي قائلاً : منذ عشرون عاماً أي عندما كنت طفلاً أصبت بحمي و بعض الضيق في التنفس و كان ذلك في حينها يُعد مرض خطير و قاتل ليس في مصر فقط بل و في كل دول العالم ففي 2020 تفشي فيروس سُمي يفيروس كورونا و حصد اراواح الالاف و كان منتشر بشدة في الصين و دول اوروبا و الولايات المتحدة

ذهب بي ابي الي المستشفي التي كان يعمل بها والدك ان ذاك و هو الذي قام بفحصي و اكتشف انني اصبت بذلك الفيروس و قام بعمل حجر صحي لي و سمعته يقول لأبي للأسف لا اظن ان ابنك سوف ينجو من تلك المحنه و لم يكُن يدري هو و لا ابي اني اسمعه ثم بعد ذلك لم اري ابيك الا ان تعافيت و خرجت من المستشفي 
 و لكنني اظن انني صرت اعرف الان سبب غيابه في ذلك الوقت و هو ايضاً سبب تعجبي

قلت له : نعم فلقد اصيب بسكته قلبيه و توفي علي اثرها علي الفور رحمة الله عليه
 فقال: رحمه الله..





Share To: