أنتقلت بعد وفاة أبي و أمي الي العيش في بيت عمي و منذ طفولتي نشأت علي حب ابنه و أصبح يكبر يوماً بعد يوم كلما مر العمر حتي سار شجرة تعمقت جذورها في فؤادي و تشعبت فروعها و سارت تجري بين دمائي و ربما آن لها الآوان أن تثمر بالأرتباط الرسمي
و جاءت آخر سنه له في الجامعة و التي كنت انتظر انتهائها بفارغ الصبر و كانت تمر علي ايامها كشهور او ربما أكثر فقد كان الشوق يغمرني في انتظار أعلان خطوبتنا بعد تخرجه علي أمل بعد تخرجي من جامعتي ان يتم زواجنا
و أخيراً تخرج حبيبي من جامعته بتفوق كما كانت عادته الطموح و النبوغ في دراسته و لكنني اكتشفت انه كان بارعاً أكثر بكثير في أمور أخري لم أكن أعرفها من ذي قبل
مرت الأيام و الأسابيع دون ان يتقدم بأي خطوة نحو أعلان الخطوبه و كنت اشعر خلال تلك الفترة انه يتهرب مني و انا أسهر ليلي افكر في سبب ذلك و ما الخطأ الذي ربما قد ارتكبته عن غير قصد يجعله يفعل ذلك
الي ان طاش صبري و خرج عن صدري و سئلته عن سبب تغيره تجاهي و تجاهلي فنظر الي متعجباً من كلامي و أنكر وسئلني لما أظن ذلك
فسئلته و انا احاول حبس دموعي التي غلبتني و انفجرت رغم أنفي ان كان صدر عني شيئاً أغضبه او ان كنت قد أسأت اليه في شئ دون قصد فنفي كل ذلك و ادعي انه لا يفهم ما يحدث و لماذا انا أقول ذلك و لا يري مبرر لبكائي عندها انصرفت مسرعة من أمامه الي حجرتي لأرتمي الي سريري و أغرق وسادتي بدموعاً أحر من الجمر الذي أكتوا به قلبي
أعتزلت كل من في المنزل و بقيت في غرفتي دون طعام او شراب رافضة فتح الباب لعمي او لزوجته الي ان طرق عمي الباب و لم أجبه فكسروه ليدخلوا و يرونا مسلقية علي الأرض مغشياً علي فحملني عمي الي سريري فوراً بمساعدة زوجته و اتصلا بالأسعاف و نُقلت الي المستشفي و تم ادخالي فوراً الي العناية المركزة لأصابتي بأنهيار عصبي
بعد مرور اسبوع فُجئت بأول زيارة لي من جار لنا و زميل لي في الجامعة فور ان سُمح بزيارتي و جلس الي و تحدث الي و لا اذكر اي كلمة مما قالها فلم أكن حاضرة الي ان غادر تاركاً ورد و قد كتب عليه بخط يده:
جئنا بالورود الي أعطرها وأجملها
آملين الا تغار و تدبل أمام حسنها
متمنين ان تعود الزهرة تنير بستانها
بصحة وعافية وان يطيل الله عمرها
في اليوم التالي جائني عمي و زوجته و أطمئنا علي صحتي و هما في تعجب و سؤال دائم تقريباً طيلة مكثوهما معي عن سبب ما حدث لي دون أجابة جاء وقت أنتهاء الزيارة و قبل مغادرتهما أخبروني ان ابن عمي لم يستطيع ان يأتي لزيارتي و سوف يأتي لزيارتي غداً فعرفت انه لن يأتي و أيقنت انه لن يكون لي يوماً
قضيت ليلتي في حزن و هجرني تماماً من كان يأتيني زائر طيف الي ان أشرقت شمس يوم جديد ما كنت أظن يوماً ان أتمني الا يأتي حتي لا أراه و لكن ليس كل ما نتمناه نلقاه و وجدت من أحببته عمري أمامي ينظر الي بعين الأسي و الأسف
مرت ثواني دون ان يتفوه بكلمة مرت كأنها الدهر الذي مر علي أمل قربه هباء ثم بدأ حديثه بأنه تعمد ان يأتي لزيارتي مبكراً ليتحدث الي علي انفراد و أخبرني بما كنت أشعر به و تمنيت ان اسمعه صراحة منه
أخبرني انه يحبني فرحت فرحاً شديداً و نسيت كل ما بدر منه سابقاً و كأنه لم يكن
ثم اكمل حديثه بأن ذلك الشعور من أخ تجاه أخته
فتحولت ابتسامة فرحي في الحال الي ضحكة عالية علي خيبتي بمزيج من البكاء
و هو يكمل حديثه بالكلام المعتاد الذي يُقال في تلك المواقف بأني سوف أجد من هو أفضل منه و سيحبني و أحبه و سأنسي تلك الأيام بل و سوف أضحك عليها.
أتي يوم خروجي من المستشفي و جاء عمي ليصطحبني الي المنزل الذي طالما أحببت ساكنيه و كل حجر فيه الآن لا أطيق عودتي و لا رؤية حتي و فكرت في الهروب و عدم العودة و لكن منعني ان لا مكان يؤويني غير ذلك المنزل فسلمت بالواقع علي أمل ان أجد حل لتغيير ذلك في المستقبل القريب
تغير كل شئ في عيني كنت أراه في ذلك المنزل و أحسست انه سجن كبير بعدما كان لي بمثابة النعيم و ان لا يوجد منزل في الدنيا يسعد اصحابه بسكنه مثل هذا
مرت الأيام و الشهور و انا حبيسه أعتزل الحياة و من يعيشها حتي انني لم أكمل دراستي الجامعيه و قطعت كل صلة بزميلاتي و صديقاتي و كنت شبه معزوله حتي عن سكان المنزل الي أن سمعت و أنا في غرفتي كعادتي صوت زغاريد تملئ المكان فأنقبض قلبي و دق بشدة و أنا أسمع صوت دقاته كطبول الحرب المخيفة حتي ظننت انه سوف يخرج من صدري و لم أخرج من غرفتي حتي لا تتأكد ظنوني محاولة وهم نفسي انه ربما يكون ذلك الصوت لجيران لنا و لكن تحققت أسوء مخاوفي
دخلت علي زوجة عمي بوجه يشع بالسعادة الغامرة
و قالت لي : ابن عمك سوف يذهب للخطبه اليوم
تماسكت لحظتها و كنت قوية علي غير عادتي
و قلت لها : مبروك
قالت لي : عقبالك يا حبيبتي
فقلت : ان شاء الله عن قريب
تمت الخطوبة و تواعدا علي الزواج خلال عام من الخطبة و كنت أتمني ان اترك ذلك المنزل و ان اتزوج قبل ذلك الميعاد و تحققت لي ما تمنيته تلك المرة
فوجئت في يوم بعمي يدخل الي الغرفة علي غير عادته فكان دائم الأنشغال بعمله
و أخبرني ان شاب جاء لخطبتي و قبل ان أسئله حتي عن أسمه وافقت مما أثار دهشة عمي بشدة و قبل ان يتكلم أدعيت انني أعرفه لأنه كان زميل لي في الكلية و قد لمح لي بمثل هذا من قبل و كنت محقة دون أن أدري
نزلت مع عمي لرؤية العريس فوجدته الزميل الذي اتاني بالورود و كان أول من زارني في المستشفي فور خروجي من العناية المركزة و تذكرت ما كتبه علي علي بطاقة تلك الورود و كأني لم أقرأها الا الآن فعرفت انه يحبني
لم يكُن لدي عمي مانع بعد موافقتي فهو يعرف ذلك الشاب فهو جار لنا و معروف بحسن أخلاقة و تيسر حاله و قد تخرج من الجامعة التي تركتها
بالفعل تم خطبتنا و كنت داشماً ما أحمسه علي الأسراع في أتمام الزواج و في خلال شهرين كنت قد سرت زوجته و بمرور الوقت سرت سعيدة معه في حياتي فكان دائماً ما يحاول اسعادي بشتي الطرق حتي سرت أعشقه و أبغض الوقت الذي أمضيه بعيداً عنه و تذكرت قول ابن عمي لي بأنني سوف اجد من أحبه و يحبني و اني سوف اضحك علي تلك الأيام و ضحكت
ايها العاشق أعلم قبل ان تهدي قلبك
ان من لا يقرأ في عينيك عشقك
تيقين انه لا يشعر بك ولا يبصرك
و انه لا يستحق الأهداء ولا حبك
Post A Comment: