لم يبق لنا معشر الغرباء في هذا العالم الشاسع سوى الأصدقاء، هم النسب الذي نتصل به مهما تعددت المنافي، وهم أكثر أجزاء الحياة إشراقًا وأهم موجبات السعادة وركائزها، ولا أبالغ إن قلت أن إيجاد "الصديق" والظفر به، هدف لا بد من السعي لتحقيقه في رحلة الحياة..
إن قيمة الصديق لا تقل منزلةً عن الأهل من اللحم والدم بل تزيد، إلا أن صلة الصداقة أعلى منزلة كما وصف بن الأثير؛ لأن "النسب الذي يُنميه القلبُ إلى القلبِ أوصلُ من نسب الرحم الذي ينميه الابنُ إلى الأب" حتى أنه وشبه قطيعة الصداقة بقطيعة الرحم: فقال أن (الانتقال عن خُلة الوداد كالانتقال عن نسب الميلاد).
الصداقة تعزية الحياة، في ذلك الصديق الذي تظن نفسك ماهرًا في إخفاء توترك ومخاوفك عنه؛ فيقبض على مشاعرك الخفية ويدركها، ويخفي عنك شعوره بك، ثم يمضي بكلماتٍ دافئة تتسرب منها نسمات الطمأنينة إلى وجدانك، فتحتضنك روحه ويطبطب عليك قلبه، فتعود إليك السكينة ويضيء نور حضوره بداخلك، فتبدد كل الهموم.
الصديق تعزية الحياة؛ وحده يسوؤه ما يسوؤك، ويسره ما يسرّك، ولا يحمل أمام ازدهارك ذرة حقد، ولا يجد في نفسه أنه أولى منك بنعمةٍ حلّت عليك، من يعاملك بالصدق والتصديق، إذ أن كلمة صديق مشتقات الصدق، وكل نقص في الصدق يعني نقص في الصداقة!
الصديق هو الأمان عند الهلع -إذ يقول لصاحبه لا تحزن- والثبات عند الكارثة، والأمل عند اليأس، إنها درجة من التعارف والقرب والتساند تتجاوز مجرد المعرفة العادية التي تنتجها القرابة أو المجاورة أو تبادل المنافع.
الصديق تعزية الحياة، وحده من لا تشعر معه بالحاجةإلى الحذر عند الكلمة، أنس الحياة والسفر والمجلس والرحلة، من تكون معه أنت ويكون معك هو، ويكون مجرد وجوده فحسب كافيًا لبث كل معاني الطمأنينة في قلبك، بل وحتى صمتكما معًا طبطبة لا تحسنها كل لغات العالم ..
Post A Comment: