هندٌ..
تبيعُ الوردَ في صنعاءَ
حافيةً.. كأنَّ الأرضَ نعلاها
وبعضُ الماءِ بلَّلَ ثوبَها
لمَّا استدارت للوراءِ تجفَّفا!

والحرب تسكنُ
في أزِقَّةِ قلبِها
فتحيكُ مِنْ نارِ
البنادقِ معطفا

وحبيبتي في الحيِّ
تجلسُ وحدَها
تمضي..
وأشباحُ المدينةِ حولَها
لا شيءَ يشبهُهَا
سوى تلكَ المدينةُ
حينَ أوقفها الهوى.. وتوقَّفا

عيناها زنبقتانِ..
جاءهما العدوُّ
لكيْ يعيثَ ويقطِفا

عيناها خانهما النِّقابُ
ففرّتا طُهرًا
لكيْ تتعفَّفا

وهما كحرِّاسِ المدينةِ
مِنْ هوى المتسوِّلينَ
ومِنْ لصوصِ الوردِ
لمَّا يسرِقونَ
فيهربونَ تخَوُّفا

لا شيءَ في صنعاءَ
غيرُ حبيبتي
ومنازلٍ ضلَّتْ
طريقَ السّاكنينَ وأرضَهُمْ
وجريدةٍ لتبوحَ باسمِ الرّاحلينَ
إلى الإلهِ ليرأفا

لا شيءَ فيها
غيرُ أوجاعِ الأزقَّةِ
حين تفقِدُ أهلها
وشوارعٍ تقتات أحلامَ الجياعِ
ضجيجَ رُوَّادِ المقاهي، والهوى
لا شيءَ فيها
كلُّ ما فيها اختفى!

هندٌ على شبّاكِ غرفتِها
تهزُّ الوقتَ
علَّ الوقتَ
يرجعُ ألف عامٍ للوراءِ.. فألَّفا

لمْ تقرأِ الإنجيلَ يومًا
كانَ يسكنُ قلبها
وبمقلتيها قدْ تعالتْ
حينَ خطَّتْ مُصحفا

قد آمنت
أنَّ المسيحَ أتى
ليسكُنَ حيَّها
لمْ يصلبوهُ لكيْ يُقدِّمَ
للرصاصةِ وردةً صرخت :"كفى"

فجرًا تقاسمها المكانُ
ونالَ مِنْ دمِها الجنودُ
فلمْ تعدْ...
وهيَ التي صاحت:
"أبيعُ الوردَ كيْ أحيا"
فخانَ الموتُ عينيها
وزنبقتانِ نحوَ اللهِ
قدْ مَضَتا...
وقلبٌ.. مثلَ نُسَّاكِ المعابدِ
عن هوايَ تصوَّفا

سأقولُ باسمِ الصاعدينَ إلى المدى
قدْ كُنتِ قُربانًا لهمْ
شربَ العدوُّ الخمرَ
فوقَ ترابِ قبرِكِ واحتفى!

صنعاءُ يا امرأةً
تُمزِّقُ حُسنها
لي في رباكِ شهيدةٌ
وقصيدةٌ عذّبتِ فيها الأحرفا

فلتنفضي..
عنْ مقلتيكِ
غبارَ أطماعِ الغزاةِ
لتزرعي بهما عيون حبيبتي
وتبوحَ أخرُ وردةٍ:
"وطنٌ يغُصُّ بأهلهِ
وكأنَّهُ المنفى الذي
ابتلعَ الشهيدة.. واكتفى...

وكأنَّهُ المنفى الذي
ابتلعَ الشهيدة.. واكتفى..."




Share To: