اللوحة الشهيرة التي أمامنا ، اسمها " ركاب الدرجة الثالثة " ، والعنوان للوحة يتضمن ما يعني ركاب الدرجة الثالثة في القطار وماهم عليه من فقر ، ولكن اللوحة أظهرت الى جانب الفقر والتعاسة مظاهر الاستسلام داخل عربات حديدية تأكل الأرض ، أكلا لآلة جبارة حديثة الاختراع نسبيا حين رسمها الفرنسي " هونوريه دومييه " مابين عامي 63-1865.
وموضوع التعبير عن الفقراء والتعساء أهتم به دومييه في اواسط القرن 19 وعبر عنهم في رسومه الكاريكااتيرية في صحف فرنسا ، التي اشتهر من خلالها كرسام كاريكاتير أكثر منه كمصور ، وعاش سنوات مجهولا كفنان مصور الا من قليل من اصدقائه ومعاصريه ، وكان اكثرهم ايمانا به كمصور شاعر فرنسا الكبير " بلزاك " ، الدي كان يرى في لوحات دومييه قيمة فنية وتعبيرية ، لا تقل عبقرية عن فناني عصر النهضة الكبار .
وهونوريه دومييه 1808-1879 نجح في لوحته امامنا في التعبير الى درجة كبيرة عن الفلاحين الفقراء ، راكبي الدرجة الثالثة درجة المعدومية ، ونلاحظ قدر تعبيره عن حالة البؤس الانساني في الراكبة التي تتوسط اللوحة ممسكة بسلة القش في يدها ، وغطاء رأس الفقراء الدي رسمه قبلا " فان جوخ " لفلاحات العديد من لوحاته ، فكلاهما دومييه وفان جوخ لم يهتما فقط بفقراء البشر ، بل عشقوهم وداخل لوحاتهم وبموهبتهم ادخلوهم التاريخ ابطالا للوحاتهم.
ومن وجوه الشخوص المكدسة في العربية الفقيرة بالقطار ، يمكنك ادراك شعاع وقدرة الفنان على التعبير عن العواطف البائسة ، التي رسمها مجسدة فوق ملامح وتعبيرات الوجوه المجمدة ، على الصمت ، والعيون المتعبة ، وايماءات الاجساد ، والأكف المرهقة المتقشفة ، بارهاق الفقر لأصحابها ، وفي نفس اللحظة فان الارهاق بضغوط الحياة  ترك الوجوه محفورة بنبض ألم متجدد ،  مع كل نظرة للوحة باستادية دومييه النادرة .
وربما لو علمنا بقسوة الحياة وتقشفها ، التي عاشها دومييه وزوجته حائكة الملابس ، لأدركنا لمادا هو يمتزج والفقراء لهده الدرجة حتى أن مالك المنزل طرد دومييه لعدم قدرته على دفع الايجار الزهيد ، لشقته الفقيرة وبعد 81 عاما مع مشاق الحياة ، اصابت قلب دومييه عبقري فرنسا نوبة قلبية ، انهت حياته ودفن في مقابر لاتليق به ،  وتكريما له نقلت الدولة جثمانه بعد وفاته بعام ، الى مقبرة العظماء تكريما من فرنسا له ، تقديرا لعبقريته الفنية ، ولم يستطع رفض هدا التكريم ميتا مثلما رفض في نهاية حياته  " وسام جوقة الشرف " ، الدي منحته الدولة اياه قائلا :
" انني اصبحت في سن لم يعد للتكريم فيها اي قيمة لدي " .



Share To: