اشتقت لصديقي وكأن الذكريات بعثرت أشلاءه، ولم تبقي منه إلا فراغا ينساب من حقيبة ممزقة، و صدى ضحكة مجلجلة، وأبيات شعرية بقافية متكسرة، وكاس نبيذ فوق رفوف ذاكرة خرقاء...
اشتقت للشريط السنمائي الذي رأيناه معا، ورجعنا بعد منتصف الليل بدون هوية، لا نرقى حتى لمستوى متشرد دون مأوى. فضحكنا ملأ اشداقنا، غير مبالين لإزعاج أشباح نائمة ناقمة، لفرحنا الصغير بعراء القمر.

اشتقت لتسكعنا في ممرات المدينة الكبيرة، بحثا عن تلك الدكاكين الصغيرة لبيع الكتب القديمة البالية، التي تعبق بعرق مؤلفيها. تلك الدكاكين الصغيرة, تكبر وتكبر وتتمادى مساحتها في زمن لا ينتهي في خريطة عالمنا الأحمق.

اشتقت لذلك المهرجان الذي كان يفقدنا عقولنا فنزاول دعارة التذاكر المجانية. كانت هوايتنا المفضلة آنذاك. ولكثرة الركض خلف العروض الفنية، أصبحنا ابطالا في المسافات الطويلة، ووجوها مشهورة أكثر من النجوم الخجلة من نرجسيتها الزائدة.

حتى آلهة الموسيقى لم تسلم من صلواتنا المستميتة. نرتقي السلالم الطويلة لسنفونيات الجمال، تقدف بنا مفاتيحها الواحد تلو الآخر، فتترنح قلوبنا كراقص حبل مغمض العينين، حتى نخالها ستتوقف في جذبتنا الجماعية المجنونة.

اشتقت للأطباق الهزيلة، في تلك المطاعم المظلمة، نلتهمها بشراهة و توجس للحظة فنائنا، ممزوجة بجرعات نبيذ حقير، ولفافة سيجارة باردة نتبادلها فيما بيننا بتلذذ على أنغام أغنية ثائرة نتسابق في ترديدها، فنطرب ونرقص على قبور اسلافنا في انتظار اشعاع جديد.
وأنت تردد باستمرار وفي عينيك  ذلك البريق الغامض "ومع ذلك فإنها تدور"




Share To: