تعب كثيرا،قدماه لاتحملانه،يود أن يرتمي على الفراش فقوته هربت عنه،إنه يوم ثقيل،وماذا فعلت حتى تعبت،ربما لاشئ فالتعب ليس مرتبطا بالعمل ،فكم عمل وعمل وكان مرتاحا ضاحكا مستبشرا يمني نفسه أحلاما وردية،لكن كان ذلك زمان ،حينما كان يختال أمام أترابه الذين ينتظرونه على أحر من الجمر وهو مشتاق إليهم ،يفضلهم على أصحاب المدينة،إنهم أبناء البلدة،وقبل أن يصل إليهم ود لو تصل يداه إليهم قبل أرجله ليعانقهم ،شم ريحة التراب في أجسادهم ممزوجة مع عطر التوت وحب التين ،فالوقت لهذه الثمار،الكل يضحك وينكت ،حكايات وحكايات ،وثرثرة وضحك ،وضربات على الكتف ،الكل مشدوه ومسمر إلى قميصه المزركش ،لاشك أنه غالي الثمن لايقدر عليه أصدقاؤه أبناء البلدة ،اما هو ،،أيه أصبح ابن العاصمة، وسرواله قدم الفيل عريض جدا من الأسفل فهو أذن الفيل،حتى شعره طال وصل إلى الكتف يقال إنها الموضة والصيحة الجديدة ،كأن شعره ينتظر موسم الحصاد، وهنا لإيجد إلا المنجل،واستفسر مراد العاصمي وأين فواكه الصيف ،أمازالت أشجار التين ملآنة! والعنب هذا وقته، هيا بنا إلى البساتين وتسلقوا الأشجار واكلوا وأكلوا حد التخمة،حتى خيل إلى مراد طلب المساعدة لينزل ،أصبح ثقيلا ،وفي هذه اللحظة يسمعون صياحا من بعيد إنه صاحب البستان، ويقول الطاهر : هيا يارفاق لنفترق حتى لايتعرف علينا الرجل ويقبض علينا ويبهدلنا في القرية، إنه الوحيد الذي يفعل ذلك، بخيل أكثر من بخلاء الجاحظ لايتصدق ولو بحبة تين أو رمان ولايحن على طفل اوعجوز، والرحمة لا يعرفها، ومع ذلك فهو في الصفوف الأولى في المسجد ،ويردد ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة. الحسنه هي جهنم له ولأمثاله الذين لاتتفتت قلوبهم ،حتى الابتسامة لاتعرف طريقها إلى وجهه،حتى لو دغدغ فلا يخرج ضحكه ربما يخرج بوله،نعم بوله إنه نتن ،ويأخذه صديقه مراد ويجذبه من يديه ،كفى لقد تماديت وليس من طبيعتك هذا الكلام، الم تسمع وترى ماذا فعل بالطفل الصغير أحمد  عندما قبض عليه في البستان ،لقد أشبعه ضربا ثم أطلقه لقد وجد عنده رمانة، والمسكين من الخوف أسرع يجري ويجري حتى سقطت رجله الصغيرة في حفرة، فأصيب برضوض، فقامت أمه بوضع زيت الزيتون على الرجل، ولفتها بقطعة قماش من لباس قديم لها ، قطعت منها جزءا، هذا ما آلمني الطفل الصغير اليتيم وأمه الأرملة الفقيرة ، التي لم تجد إلا الزيت وقطعة القماش،وهي تعيش من عطف المحسنين وأحيانا تعمل في المنسج لصناعة البرنوس والأغطية، ويتحدث أهل البلدة عن مهارتها فهي مطلوبة والمحظوظ من حظي بقبولها لكن العمل متعب من الصباح إلى المساء، وبدأ ظهرها يؤلمها لكن الله غالب إنها الحياة والبحث عن الخبزة، الخبزة المرة،لكن أنتم في العاصمة تتمتعون بكل شيء، أنت مخطئ ،الكثير يسبحون في الأحلام،تركوا أرضهم بورا وهم تجار متنقلون يبيعون في الطرقات وعلى الأرصفة،والشرطة تجري وراءهم من شارع لآخر يسمونها التجارة الفوضوية، والسوق السوداء،ويقاطعه الطاهر: صدقت لقد تركوا الأرض وهاجروا للعاصمة طمعا في حياة أفضل،أظن أن مشروع الثورة الزراعية سيردهم ويغنيهم عن الهروب إلى المدينة ،وسيغريهم نظام التعاونية، وبيت جديد في قرى الثورة ،إنه مخطط الزعيم هواري بومدين،الله يرحمه ،كفى، كفى ،احك يامراد عن العاصمة ماذا فعلت في الأيام الأخيرة،قال مراد: إنها العطلة الصيفية قبل مجيء بأيام دخلت السينما وشاهدت أفلاما ممتازة ورائعة للغاية لقد شجعني زميل الدراسة شاهدنا فيلم رعاة البقر مع ليزانديان ،الهنود الحمر وكان بالألوان ولأول مرة أكون أمام الشاشة العملاقة ومع والألوان،معارك وحروب وأحصنة كبيرة وخاصة ذلك الحصان الجميل يعدو بسرعة البرق وفارسه  الهندي جني أكربات،يقفز من حصانه ويثب وثبة طويلة ويمسك راعي البقر ويقتله،الحمدلله أنه فاز ،رعاة البقر والوافدين إلى العالم الجديد بحثا عن الذهب قتلوا وشردوا أصحاب الأرض،وأتذكر تلك اللقطة التي لا تنسى للحصان الذي ظننته خرج من الشاشة فصحت وخبأت رأسي تحت الكراسي خوفا من حوافره التي تشعل النار مع الحجارة،فلو ضرب بها راسي!؟ أتظن أني أبقى على قيد الحياة،أخفت لهذه الدرجة ،ههههههه وشاهدت فيلما مصريا ( أبي فوق الشجرة ) لعبد الحليم ونادية لطفي وحمدي غيث ،رائع وممتع ،! دقوا الشماسي، دقوا الشماسي، من الصباح حتى التماسي مع أحسن المظاهر الخلابة ، يتذكر أيام زمانه آه لوعادت بمعالمها وقصصها وناسها المتسامحين الطيبين،بعيد ذلك الماضي وقريب ذلك المستقبل الذي يلفنا ليرمينا نحو المجهول،ويجعلنا نفقد معارفنا وأكل الشخشوخة مع الحار ،ايه ولبن البقرة الحقيقية وليس حليب ڨيڨوز المفبرك أهرب من ريحته ومن علبته ،التي لاتقارن بضرع بقرتنا البنية صاحبة القرون الطويلة، موه موه، التي كانت تعرفني لأني أقدم لها الحشيش والماء،أيه هي ذكريات من الماضي .                                    



Share To: