أعود للبيت متأخرا مرهقاً، أخلع ملابسي، وأمدد قدمى حتى تأتي زوجتى بالطعام وعندما انتهى، أتوضأ وأصلى صلاة العشاء ثم أجلس أمام التلفزيون نتسامر وتحكى لى مشاكلها مع الأولاد والجيران وأقاربها حتى أنام أمام التلفزيون، فتنغزني فى جنبي، فأقوم لأدخل غرفة النوم، اليوم وجدتها تحوم حولى وأنا أخلع ملابسي، وعلى وجهها فرحة طاغية لم أعهدها منها منذ فترة طويلة، نظرت إليها، فيه إيه؟ فرحانة يعني! ودا يزعلك فى حاجة؟ أبدا يا ست ربنا يفرحك على طول، خلعت الشراب، وبدا الهواء المتدفق من الشباك يجفف العرق وينشر الألم من السير الطويل فى المدينة، هاتى من الآخر، مفيش أصل "مها" مين مها؟ مها خطيبتك السابقة المصونة، مالها؟ أصل مسكوها مع موظف زميلها فى المستشفى فى غرفة الولادة، وهما فى وضع مخز، شعرت بالغضب يجتاحنى، ابتلعت ريقى وقلت: دي بلد وسخة أساساً تعمل من الحبة قبة، يعني لو واحد سلم على واحدة فى أول البلدة، عندما يصل الخبر إلى آخر البلدة يبقى مارس معها الحب، وفري دماغك وبطلى ترددي كل تشنيعه أو إشاعة .
التزمت الصمت ومددت يدي ناحية علبة السجائر وأشعلت واحدة وخرجت مني تنهيدة،فالتفتت إلى زوجتي,وغمغمت بكلام تجاهلته.
مها كنت قد خطبتها لمدة أربع أشهر وكانت فى غاية الأدب والالتزام كما تتميز برقى، حالة فريدة لم أجدها فى هذه القرية البائسة، التى لا تعرف من الدنيا سوي الأكل وبناء البيوت ومواهب فى النصب على عباد الله، ولكن هذه كانت من عالم آخر، كانت تجلس وتتكلم بحرية فى كل المواضيع فى الموسيقى والأدب والسينما، ولم أشعر معها أبدا بالاغتراب أو انه يجب أن أتحسس كلامى، كانت تؤم روحى، وعندما انفصلنا كان اليوم الأشد تعاسة فى حياتى، وكله بسبب أخيها المجنون الذي كرّهنى فى الحياة، وبعد زواجها وزواجي، وتسليمى بالنصيب والقدر، وأن الحياة لا تتوقف على واحد، أو واحدة، وكانت بالنسبة لى نسمة رقيقة، فبمجرد أن تمر علىّ وهى عائدة من المستشفى أو ذاهبة إليها، وترانى أقف على الباب أو جالس على المصطبة تحود وتسلم فى أيام إجازتى، فيرفرف قلبى، والله لم تمر على إلا وتذكرت بيت إبراهيم ناجى " هذه الكعبةُ كنّا طائفيها والمصلّين صباحاً ومساءَ.
رفْرَفَ القلبُ بجنبي كالذبيحْ وأنا أهتف: يا قلبُ اتّئدْ. كانت قصيدة إبراهيم ناجي جزءاً من مقررات الدراسة فى المرحلة الثانوية وكنت أحفظ القصيدة عن ظهر قلب، وأكتبها بخط جميل منمق على التختة وأكتبها فى خطابات غرامية للبنات ولأصدقائي، كانت تسحرنى وهى تسير فى رشاقة راقصة باليه وعندما ترانى زوجتى واقفاً معها، تظل توبخنى بكلمات مثل السم، مش فاهمة والله شيء غريب اللى مترضهوش على نفسك ما ترضهوش على غيرك، أحاول ان أفهمها: أننى احترم هذه السيدة واحترم زوجها وهى سيدة فاضلة، فاضلة وتعوج فمها يسارا ويمينا، هو دا راجل ودا المره أحسن منه وأنا مش فاهمة الرجالة بقى مالهم كده، اضحك، لكى أداري حنقي وغيظي من هذه المعارك التافهة، بصى انا طول عمري مديكي الحرية، عادي الناس مش وحوش ولا كلاب سعرانة، نعم، وأنت بتشفنى بكلم حد فى الشارع، أو واقفة مع حد، أنا أحترمك وبقدرك وأنت تتعمد تهنى، والله والله لولا احترامي لك لأضربها بالشبش على وجهها وساعات كثيرة تنتهى ببكاء أو غضبة، وأنا لا أتوقف عن الكلام معها، وهى لا تتوقف على المرور علي، وكلما مرت مع ابنها أتمنى وباء يخطف زوجها ليتيح لى الفرصة أن أواصل ما انقطع، وبرغم أنها تري فى عين زوجتى الغضب والغيرة التى تبين على وجه زوجتى لتحيله لأصفر ليمونى، وأنها تغار من الهواء لكنها لا تعير لذلك أهمية، ولا يظهر على وجهها أي أثر، كان وجهها هادئا وبريئا، تنظر إليك فتؤثرك وتنسى الذي فى يدك وعندما تصادف زوجتى تقف معى، تكشف عن ابتسامة رائعة وتقابلها فى غاية الرقة والعذوبة ويا حبيبتي، ازيك وحشاني، وتظل تمدح أمامي فى جمال زوجتى ورقتها وذوقها الرفيع وعندما تتركنا، تزفر زوجتى: شرموطة.
هاتى الجلابية الأول يا مدام وسيبى الملك للمالك
تركتنى ثم أحضرت الجلابية، وقالت: أنت عارف لو حد تانى غير مرات أخويا وأنت عارف انها شغالة معها فى نفس القسم، قالت لى "والله ما اصدق لكن أنت عارف سلوي، كلمتها اصدق من كلام أخويا إبراهيم، اللى كلامه يصفى على مافيش، عمرها ما تكذب أبداً، قالت: كان يوم تطعيم الأطفال وسمعت جلبه جريت وجدتها خالعة الحجاب , وشعرها مهوش, ونازل على وجهها , والموظف الذي اكتشف الأمر، حكي ما حدث أمام الجميع، وأخذت تحكى لى بالتفاصيل الدقيقة وقائع الفضيحة وأنا مشوش، أسمع نصف الكلام والنصف الآخر يضيع منى وقد شعرت بالأذية، من الكلمات السم والصور التي تلاحقنى وأنا أراها تتقلب أمام عيني وجسدها عار ويقبلها الغريب ويتحسس جسمها وهى مستغرقة فى النشوة.
Post A Comment: