عادت إليه بعد أن مزّقت السنين ذاكرته، لتمارس معه حبّاً بالياً مصحوباً بالآلام، بالأنين، إذ تحولت الى وجع مزمن، بسبب الفراق.. الرحيل، الوجع الذي نخر الأعصاب، التي أصبحت عاجزة عن تذوق الحب.
قــال: من الذي تغير أنت أم أنا أم الأيام؟!
وكيف يكون اعتذارنا لبعضنا؟!
انظري كل ما بقي، ذبالة صغيرة من العمر وقليل من وهم وصبر، أقول لكِ هناك فرق بين أن نحب وأن نتعلّم كيف نحبّ ونحافظ على الحب، فلا تخدعيني ثانية بدموعك ( فالمرأة والدموع صديقان كما يقول المثل الصيني ).
ابتعدي، عودي إلى رشدك، فحبنا أصبح مجرّد حلم راكد في ذاكرتي العتيقة.
لقد مرّت ليالٍ باردة، موحشة، قاحلة وكنت وحيداً أبحث عن حب يدغدغ قلبي.
قـالت بارتباك شديد: إنني أنسأنه مؤمنة بالحب، بالوفاء القلق والخوف يحطمان القلب بلا شفقة، إنك ما زلت تعيش في ذاتي، في داخلي حبك يمزّق أعصابي ..أعصابي التي أصبحت عاجزة عن تذوق العالم.
قاطعها قائلاً وقلبه يعصره ألمُ الماضي: أما زلتِ تنطقين بكلمات الغزل التي تلاشت وبعثرها الرحيل؟!
أما زال الشك يطحن بأسنانه بقية عمرك؟!
ذلك الشك الذي يثير الوحشة والرعب في القلب.
جسدك الذي يئنّ من فرط الحزن الذي غيّر وجهك بهذا الكم من التجاعيد المبتلى بهذا الحب الذي أتعبته الشكوك، فقد اتخذتِ من قلبي أرجوحة للعب واللهو فحذاري من اللعب بمشاعري!.
أيامنا تلاشت، تساقطت كأوراق الخريف .. تركناها ولم نكلّف أنفسنا بالتقاطها.
قـالت: أسألُ نفسي دائماً ما الذي شدّني إليك، ألم يكفي الصداع العنيف الذي ورثته منك؟! ضمّني إلى صدرك لأسترجع كلماتِ الغزل التي أشتراها النسيان، إن كلمات الغزل التي تدخل إلى القلب بين الحين والآخر هي الحلم الذي رحل مع رحيلك، لا تتركني أتعذّب، أرجوك!
لفّه الصمت قليلاً لم يبق غير أنينٍ أراد أن ينتزعه فلم يستطع، البكاء تحوّل إلى نحيب خفي وكبت يحرق كلّ الذكريات الجميلة ،التي تدور في مخيلته، لازمته كالأشباح، سبّبت له صداع عنيف، قوي كقرع طبول، وها هي الأيام تفرّ مسرعةً من أمامه لم يعثر على جسد يغوص فيه، بعد هذه الرحلة الطويلة من الرعب الجاثم على صدره والذي تحوّل إلى كابوس ،إنما هو كابوس الماضي الذي لم يمض بعد.
أنتفض واقفاً يودُّ تفتيت صخرة جثمت فوق صدره تشبه صخرة سيزيف تمنعه من مواصلة التنفس.
راكدة فوق جسده الذي كان متوجعاً من مخالب الفقر التي مزّقته والتي غيّرت معالم وجهه.
لماذا عادت؟!
هل تريد أن تنهي السنين الباقية من عمري؟!
لا تقتربي .. ارحلي، لا أطيقك، أمقتك، لقد أيقظتِ، جراحي، احذري اللعب بمشاعري.
بعد قليل داهمه مزيج من خوف ورهبة ظلَّ عالقاً في ذهنه يهزّه هزاً قوياً لا يطاق
فرَّ هارباً يتمتم بكلام غير مسموع ألبته، وراح يحدو مثل بدوي يطحن الصحراء.. تاركاً نظراتها الثاقبة تطارده بلا حياء.القصة كتبتها في ثمانينات القرن الماضي .
Post A Comment: