تطالعنا كل يوم في صفحات الآصدقاء أقوال لبعض المشاهير كتابا أو غيرهم من فنانين وشخصيات عامة...قد تحاكي فينا بعض المشاعر او بعض المواقف الحياتية من فشل او نجاح او خيبة ويأس..فنتبناها وننقلها بدورنا للآخرين كحكم صالحة لكل زمان ومكان...يعتبرها البعض دروس بالحياة يجب تعميمها والوثوق بمصداقيتها وصلاحيتها الغير منتهية....أشبهها في معظمها بالورود...جميعنا يحبها ولكن يذهب تفضيلنا الى نوع واحد بحسب توجهه الفردي فيختار منها من تحاكي نزعاته الداخلية، ذلك لأن كل شخص منا له بوصلته الداخلية الخاصة به التي تكونت في وجدانه على مدى خبرات ولحظات حياته، والتي تأخذ كل واحد فينا باتجاه مغاير لاتجاهات الآخرين بحكم خصوصية التجربة الفردية. وما يلفتني أولا العبارات التي تحاول تقديم التشجيع والتعزية في حالة ألم الخيبة أو الفشل الشخصي. فهذين الموقفين باتا الأكثر شيوعا في حياتنا الاجتماعية الحاضرة لأسباب عديدة وعلى شتى الأصعدة.
وهناك عدة طرق لنطمئن أنفسنا في حال الانتكاسات هذه..وما اكثرها في بلداننا الجريحة وفي مجتمعاتنا القاصرة..والحكمة المتداولة جدا والتي غطت الفيسبوك مؤخرا وباللغات المختلفة هي، شيء من هذا القبيل: الضربة التي لا تقتلك تقويك او تجعلك أصلب...او بالفرنسية:
Ce qui ne me tue pas me rend plus fort,
وبالانكليزية:
Fail again fail better
أجدها حكمة شعبية سهلة وهشة أمام حجم ووزن الفشل النفسي عند المرء. هي تدفء النفس سريعا ولكن لمدة قصيرة تماما كمفعول جرعة فودكا في البرد القارص. ولكن عندما يتلاشى الوهم وترى نفسك محاطا بكل هذا السواد فأنت تعود الى يقينك بأن ثوابتك تضعضعت أساساتها وأن كل تلك السيناريوهات المعزية لا تنفع في ترميم ما تهدم فيك وأن ذلك الترميم قد يتطللب زمنا كبيرا وجهدا اكبر حتى تعود الى طبيعتك...ولن تعود الى طبيعتك السابقة مطلقا..بل الى طبيعة جديدة مختلفة، تبتعد او تقترب من طبيعتك القديمة بحسب التئام الجروح التئاما سطحيا او عميقا. وتبقى بعض المرارة تعاود الطفو الى السطح كل حين وحين وذلك لأن النفس البشرية غاية في التعقيد والهشاشة. وللأسف في مجتمعاتنا، تكون التربية في الصغر بعيدة كل البعد عن النموذجية التي تأخذ بعين الاعتبار أحاسيس الطفل وحاجاته النفسية المعنوية والجسدية لذلك عند النضج يكون داخله هشا اذا لم يكن سبق وأثخن جراحا تجعل منه غير محصن ضد صدمات الحياة بكل أشكالها...وجاءت سنة ٢٠٢٠ لتضيف فوق متاعبنا الشخصية، نكسات ومخاوف جماعية زادت من الشروخ النفسية عند الفرد والجماعة. هذا عالميا. أما محليا وأعني بذلك شرق_أوسطيا، فتضاعفت آثار نكسة الوباء الغير مسيطر عليه وكل الشكوك حول كونه مصطنعا بغاية السيطرة وقمع حرية الفرد عالميا ، لا وبل قطع أواصر الصلات المجتمعية كافة، بسجن الإنسان في منطقة مضطهدة عالميا وإنسانيا بسبب كل الجبروت السياسي الطاغي عالميا فبات مواطن الشرق_أوسطي في سجن ضيق غير قادر فيه على فرد أجنحته...و لا ننسى مشكلة المهن...اختلاف مردودها وملاءمتها لهكذا مجتمعات مغلقة وتأثير ذلك على تلك الفئات المتعلقة حياتها بها...أسوأ ما كان يمكن تصوره أن يحصل لنا...ما جعل كل هذه الحكم والمقولات غير مجدية لا على الأمد القريب ولا البعيد والإحباط صار جماعيا.
إذن أين نتتطلع؟ كيف نتجاوز أزماتنا التي تتضخم كل يوم؟ هل نصرخ كGoethe في لحظة نزعه الأخيرة قائلين:« Mehr Licht ! » المزيد من النور. نحتاج نورا، نحتاج أملا ، نحتاج الى الإيمان...! وأي معنى نضفي على ما نعيشه ضمن إطار الإيمان؟ اذا لم يكن ما نؤمن به يدعو الى المحبة وينتج عنه خير وتقدم البشرية ويعترف بالإنسانية بكل اختلافها وألوانها، إن كان ما نؤمن به يدعو للآخر بمثل ما يدعو به لنفسه، اذا كان ما نؤمن به لا يكترث للمادة فقط بل يأخذنا الى عالم الروح والقيم التي تسوده ، ان لم يكن ذلك...فكل إيماننا سدى ولن يمحي آلامنا. والنكسة والخيبة والفشل قد تصبح قاتلة وتودي بنا الى جحيم فعلي.
ربما نحن بحاجة الى مساحة فلسفية وفكرية توضح معنى الأمل على ضوء إيماننا بإنسانية الفرد أينما كان وبحقه بالوجود دون خوف من نظرة الآخر له... ليس فقط بل أن يكون على يقين بأنه قادر أن يستند على الآخرين..أفرادا ومجتمعات ليس بالكلام المنمق والمنقول آليا..بل بالتعاضد الذي يسوده قوانين وأعراف لا تعرف التهاون في ردع المعتدي إن كان فردا أو دولة مهما اشتد جبروتها سياسيا واقتصاديا....
ف.ك.
Post A Comment: