الهويّةحسب توصيف الفيلسوف فتحي المسكيني هي:
...《إختراع ثقافي خطير،طوَّرته كل الثقافات،وبخاصة تلك التي لم تعد تمتلك كنزاً خلْفياً أومخزوناً احتياطياً لنفسها غير حراسة الإنتماء بواسطةالذاكرةالمصنوعة من التفكير》...
ويرى الفيلسوف أنّ الحرية مُقدَّمةعلى الهوية،فيقول:(حريةالذات،وحقّها الحيوي الكوني في الإنتماء الجذري للنوع الإنساني، بعيداً عن أسئلة الهُوية "المُسبقة"التي تلاحقها وتكبّلها،وتًشكّلها كما تشاء)...
وفي كتابه(الهويةوالحرية.. نحو أنوار جديدة)؛يقدّم الفيلسوف التحية للشاب الذي قال في الميدان:(الحريّةأوّلاً)؛وتمنّى لو أنّهُ كانَ ذلك الشاب...
ويصف الفيلسوف نفسه بأنه(جزء من جِيل حاول أن يغيّرقبلة الفلسفة في تونس)...
ويقول عن جهده إزاء هذه المرحلة:(إنني في مرحلة تدريب المواطن على السكن الكريم في وطنه حتّى يكفّ عن الشعور بأنّ الموت في بلد الهجرة أخفّ حملاً على النفس من الحياة في بلاده.)...
ويقول الفيلسوف المُستشرف للهويّات الباحثة عن ذواتها العميقة في أفق الحريّة؛في ثلاث لاءات مهمّةلتحقيق فضاء حرية أمثل...
:1(لا للتعويل على الجيوش كي تُساعد الشعوب على استعادة حق الناس في الحياة أو حقّهم في الحريّة)...
:2(لاللإنتخابات الهووية التي تعتمد على الدِين فقط أو السياسة فقط أو العِرق فقط أو الجِهة فقط أو الجِنس فقط)...
:3(لا لجعل هيمنة الدولة غاية في ذاتها بجعلها مجرّد جهاز دنيوي في خدمة دعوة
ميتا-تاريخية، وميتا-أخلاقية،
على الشعوب أن تستجيب إليها،وإلا اتُّهِمت بالخروج عن مطلب الهُويّة،وتعريض شرط الإنتماء إلى التلف التاريخي،وفي آخر المطاف المروق عن الدين والسقوط في أحابيل الإلحاد السياسي الحديث)...
ويحدّثنا الفيلسوف عن الشاب الذي تمنّى أن يكونهُ وهو الذي قال:(نعم الحرية قبل الهوية)؛بأن هذا الثائر لايضرب إحداهما -الحريّةوالهوية-بالأخرى،
أو يُثبت الأولى كي يبطل الثانية،بل فقط هو يعدّل وَتَرَ الحياةِ في قلْبِه.
إذ تُراهن الدول غالباً على إقناع المحكومين بأنّ ثمّة شيئاً مُتعالياً على حيواتهم الخاصة أو الحاضرة أو الدنيوية،وأنّ هذا التعالي هو مصدر كل شريعة عميقة لتبرير وجودهم في ظل الدولة.
فهم ليس لهم من"هوية" ينتمون إليها؛أن يحتموا بدلالتها إلا بقدر مايُطيعون الحاكم باسم شيئ يتعالى على وجودهم تعالياً نهائيّاً وكُلّيّاً.
كانت الدولةالقوميةتستمد شرعيتها من
"لاشيئ يعلو فوق صوت المعركة")...
ويُضيف الفيلسوف بصدد الحريّة مؤكّداً صرخة هذا الشاب الثائر مِن بني وطنه:(نعم،إنّ الحريّة هي "أوّلاً بالفعل"، وليس مجازاً.
لكن ذلك ليس ضدّ الهوية بالضرورة.
بل يمكن أن يكون،على العكس مما نتوقّع،شرطاً أخلاقيّاً وروحيّاً فذّاً لاختراع الإنتماء والدخول في تملُّك حي لمصادر أنفسنا العميقة)...
وفي ذروة وعيه بهويته كمسلم حديث معاصر يقول الفيلسوف العربي فتحي المسكيني في مقارنة"دقيقة"واعتراف أصيل ووعي"عميق":
(نُقِرُّ هُنا بأننا لانتحرّر إلا داخل-وفي ضوء-تُراث هووي عميق هو الذي يُشكِّل ما سمّاهُ الفيلسوف الكَنَدِي المُعاصر تشارلز تايلور؛"مصادر النفس".
بل كل لحظة أو قيمة حرية هي تُقاس بمدى تجذُّرَها داخل جملة معقودة من مصادر الذات.)...
ولكن الفيلسوف المسكيني يستدرك بعبقريةكعادته بأن مصادر الذات أومصادر أنفسنا العميقة يجب أن تكون محصّنة ضد استغلال الجماعات أو الدولة أو المؤسسة أوالقبيلةأوالحزب أو الجيش إلخ فتكون"مجرّد" ألاعيب سياسيةأوقانونية قابلة للإستهلاك"الإجرائي" للحُكم باسم تلك"المصادر")...
ويقول بهذا الصدد الذي لخّصناه آنفاً:(نعم،يمكن أن تكون الحرية"شعاراً لفظيّاً هلاميّاً بلا معنى".ولكن في فم الذين لم يستكملوا بعدُ أيَّ تحويلٍ ذاتيٍّ لهُوَّيَّتِهِم...)
ويقول في ذات السياق:
(نحنُ لن نتحرر أبداً ما دمنا نعوِّلُ على هويّات جاهزة لأنفسنا،ولم"نُشارك"في أي لحظة في تشكيل"وتيرتها")...
و:(إنَّ قيمة الحريّة لامعنى لها إذا لم تنجح في التحوّل إلى"فن للمُشترك")...
وبخصوص"حقيقة"قيمة الحريةوغيرها من القيم ال"مقدّسة"أو ال"إنسانية" يقول الفيلسوف المسكيني:("الحقيقة"هي مجرّد ادِّعاء "صلاحية"؛مِن حق أي طرف أن يرفعه،ولكن ليس من حقّه أن"يحتكره"على أحد)...
ويصف الفيلسوف"واقعنا" فيقول:(نحنُ نعمل مُنذُ مُدّةٍ على ضربٍ مِنَ اللامُسمَّى. ونحنُ إلى حدّ الآنَ لسانٌ سيئٌ حولَ أنْفُسِنا.)...
وبعيداً عن ظنون المثيرين للجدال الذي هو
"ضربٌ مِنَ اللامُسمّى"
يُنبِّهنا الفيلسوف:(بقي أن ننبّه إلى أن التفكير ليس هجاءً لأحد،وخاصة هو لايمكن أن يكون هجاءً للهويّةبما هي"كذلك☝️"، بل هو-التفكير-تفاوض عسير مع إمكانيّات هويّة مُغْلَقَة أو مهجورة أوممنوعة أومسكوت عنها.)...
ويقفز بنا الفيلسوف قفزة أخرى فيقول:(نحن"تعارفيُّون"أكثر مما "نعتقد".
وبالتالي هناك"حق كوني" في التعارف لايمكن أن نسمح لأحد بدوسه أو إبطاله.)...
وبعد تقرير ماهيةهويتنا كمصدر عميق لممارسة حريتنا كأفراد"مُشاركون" يقرر لنا الفيلسوف أُفق إمكانيةإعادة اكتشاف مصادر ذواتنا العميقة، فيقول:(مُنذُ ديكارت
و"الأنا المُفكِّر"هو درجة مِنَ الإنتماء واليقين والإستقلال والإثبات لنفسها؛بحيث يمكن أن نؤسس عليها شروط إمكان الحقيقة حول ظواهر العالم من حولنا.)...
Post A Comment: