يستعرض عبدالفتّاح الديدي ملامح من الفلسفة"الظاهراتية" فيقول:(لم تسعَ الفلسفة "الظاهراتية"إلى تطبيق تفسير موحّد على جُملةالمظاهر الفكرية؛وإنّما أرادت أن تبدأ من المراحل السابقةعلى التفسيرات وعلى وجهات النظر،ومن جملة مايستتب تلقائيّاً في نطاق الحدس الأوَّلي قبل أي تفكير بنائي للنظريّات)...

(أو بعبارة موجزة؛إنَّها تبدأ من كل ما تُمكن رؤيته وإدراكه مباشرة حيثما لانخضع للمؤثِّرات التي تُعمينا من جانب الأحكام القَبْليّة؛والتي تجعلنا تحت رحمة سلسلة كاملة من الحقائق المقررة سلفاً...)

(هوسرل إذاً قد اهتدى إلى معنى الكوجيتو،وهو بصدد التسلسل الطبيعي في دراسته.
فليس عنده مانسمّيه نقطة بدء نفترضها في أوّل الأمر، ونبني عليها أحكاماًوقضايا...)

(إنّنا نتأمّل تلك التجربة المهوّشة الأوّليّة التي يبدأ عندها"الفكرالحقيقي" ونحاول النظر إليها بوصفها أوّل الخيط نحو التفكير...)

(وفي خلال التجربة الأوّلية المهوّشة تتساقط الأشياء في داخلية الشعور دون أن يتحدد منها هذا الشيئ أو ذاك...ويصل التفكير إلى درجة الكوجيتو خلال عملية الإستيضاح المتَّصل للمصاعب المتعلّقةبالتفكير والمُلاصقة له...)

(ولهذا فقد نصَبتْ الفلسفة الظاهراتية نفسها عِلماً وصفياً بحتاً.
والِعلْم الوصفي البحت يتعلّق بالظاهرات وحسب.
والظاهرة عند هوسرل هي ما يتقدّم في بساطة إلى النظرة عند الملاحظةالبحتة...
والظاهراتية هي دراسة وصفية خالصة للوقائع التي تمر بالفكر وتخطو إلى مجال المعرفة...)

(ويحدد هوسرل فلسفته من هذه الناحية فيقول أنه يمكن تقديرها بوصفها نظرية متعاليةللمعرفة...
وهذا طبيعي حيث أن الظاهرات لاتسعى إلى فهم الأشياء ذاتها أو الصور التي تعكسها بشكل معيّن على الشعور،وإنّما تسعى إلى فهم معانيها ودلالاتها...)

(ولمّا كانت موضوعية "الأشياء"الخارجية نفسها لاتتحوّل إلى مجال البحث الفلسفي إلا إذا تضمّنتها
"الظاهرة"؛فإنّ منبع المعرفةالموضوعيةالوحيد هو الظاهرة ذاتها...)

(فإذا كانت"الموضوعية" نفسها مضطرة إلى أن تدخل في طيّات"الظاهرة"؛
إذا شاءت المثول أمام "العقل"؛فإنَّ معنى هذا أنّ "الظاهرة"هي الخطوة الأولى الضرورية نحو الثقة العامة في مقتضيات الفكر الفلسفي...)

(الظاهرة إذن هي المُعطى المُقدّم إلى الشعور بصفة مطلقة.
والموضوعيةذاتها لا يتيسّر لها أن تصبح مادة للفكر أو موضوعاً للبحث إلا إذا تمثّلت تمثّلاً"ما"في الظاهرة...
والبحث الفلسفي ليس سوى تحليل للظاهرة...)

(ويزداد حماس هوسرل في هذا المنحى حتّى تجد عباراته تُعطي أصداء شبيهةبأصداءالفلسفات الواقعيةأوالوضعية،وتشبه إلى حد كبير مذاهب التجريبيين ونزعاتهم.
ولكن هوسرل في الواقع لايدور إلا في مجالات الظاهرية،ولا يلجأ إلا إلى حدود العالم الظاهري...)

(ولمّا كانت الفلسفة في تاريخها الطويل لم تمر بفترة"فينو مينولوجية"ولم تخضع لاختبارات"ظاهرية"
؛فلا بُدَّ مِن إعادة تكوينها من جديد.
ينبغي أن نُعيد النظر في الفلسفة من أوّل الأمر؛وفقاً للأسس التي تقدّمها فلسفة "الظاهريّات"...
فليس هناك تاريخ للفلسفة بالمعنى الصحيح لأن الفلسفة لم تصادف قط عِلْماً وطيداً مثل عِلْم"الوجودالظاهري"...)

(ونكتشف من خلال هذا العرض الوجيز أن معنى "ظاهرية"هوسرل ليس مثالياً على نحو ميتافيزيقي،بأي معنى من معاني الفلسفات القديمة.
إنّها فلسفةمحايدة ميتافيزيقيّاً؛أي أنها فلسفة لاتحاول أن تبعث المثالية في الموجودات،وإنّما تُحاول أن تأخذ المثالي في اعتبارها،وتكتفي به بوصفه كل الوجود الذي تحتاج إليه...)

(ولذلك نتحدّث عن مثالية جديدة لاتضع في أوّل الطريق مبدأ أو مجموعة من المبادئ التي تستخلص منها كل أفكارها،ونظراتها، وإنَّما تخلق حقيقة موضوعات التفكير في كل لحظة بحيث تُصبح كلّها فلسفة"ظاهرات"...).



Share To: