من أي شاطئ جلب ترابي من دجلة أم من البحر الميت أم من صحراء قاحلة أم من مقبرة، ونفخ الله بي هذه الروح الآثمة، التي وخزتها الخطيئة في عالم مظلم، أطوي طريقي بخطى متعثرة، إلهي  لم العذاب أترع الكأس تلو الكأس ومازال الظمأ يحرق جسدي، دمي يغلي في العروق التي أشعر بها تتضخم، تنذر بالانفجار، الحرمان يثور في صخب الليالي المقفرة، العمرُ يركض متعثراُ بشهواتي، يعدو وراء المغريات، الستون من العمر اوشكت على الرحيل أو كادت، أحلام الشباب تراودني مبعثره وقد خفت الذاكرة، والوتر الحزين بدأ يخف صوته والحرمان يرفع ساريته ليبحر بيً في أرضٍ أم في بحر أم سماء، ليس لي الخيار، وأنا أطل من بوابة المجهول، أينطفئ اللهيب!! يداي ترتجفان في صمتٍ وقدماي مازالت تعدو بمتاهة، أنظر إلى الساعة الاخيرة والذكريات تنهش ذاكرتي، أشتهي منها أياماُ وأحلاماً خضراء ذات شجون، ثم أقبع في الحزن أحصد الاشواك، سوداء، شاحبة تلك الصور، لم تعد أمنياتنا ملك أيدينا ولم يعد في الضلوع قلب، الذكريات حفنة من رماد نلوك بقاياها المرة، وبح الصوت وتلاشت الأحرف، حصد الانفجار الحروف  س / ع / ن/ ص/ ج/ ك/ حصد عائلتي، زوجتي، بناتي، اولادي، أحفادي بقي واحدٌ يقف جنبي زوج أحد بناتي الذي تأخر عن موعد الذهاب إلى مول الكرادة، يبكي يولول، ينزف ألماً وحزناُ، أنا في عالم وهو في عالم آخر غرقى في أفكارنا، في هواجسنا، كارثة حلت بنا، الدموع لا توقظ  الموتى ..
الموت نهاية الحياة، هناك من يموت على الفراش والآخر يموت فوق الصخور أو في صحراء وآخر يلفظ أنفاسه الاخيرة في انفجار، كهكهكهكهكهكه لا ضحك بعد الآن فقد تجمدت أوصال الحياة في جسدي، أحس ببرودة الموت تدب فيه، هل يستطيع أنسان يضحك ويعلم أنه ميت لا محال؟
 ليس من الضروري معرفة متى ولدت وفي أي بقعة أقمت، كانت لي امرأة تنشر الفرح على مداخل البيت وعلى الأبواب، كان لي  بنات وأطفالهن، أشم عطرهم يملئ رئتي فأنتعش، الآن لا أشم إلا الرماد، أشم الموت ورائحة شواء الاجساد المحترقة تدخل الرئتين كغيمة تمطر الاحزان، هذا المشهد المروع يحبس الهواء في صدري وتشهق الدموع في عيوني، لا تنتهي أحزاني، قلبي كسير وعيوني أصابها الرمد، أحس بأن همومي تأكلني، أتيه في وادٍ سحيق، أتذكر منظر الاشلاء المحروقة والجماجم المهشمة بصرتها عيوني في مواقد الفجيعة، تتراقص أمامي، أدور وأدور وأنكب على وجهي تنوء الارض في مأساتها وتنطلق تلك الايادي الاثيمة تبحث عن جريمة أخرى في مكان آخر ينثرون بذور الموت التي ترتوى بالدماء، دماء الابرياء ويحصدون الاجساد وتسجل ضد مجهول.
آه يا أحزاني متى يسدل الستار ويطبق الموت على مايشتهي، كلنا رهن الموت، لكن بأوقات متباعدة أو قريبه كل شيء ينتهي وينطوي إلا أحزاني سلبني المجرمون، جردوني من أحفادي  ترى بعد اليوم مع من ألعب، ألهو، ياموت يا مصير كل أمنية، أيها القدر الأعمى، سلبت من حنايا الضلوع أهلي وناسي لِمَ تتركني أحمل أعبائي الثقيلة!! تلوح أقدامي متاهات الدروب فلا ظلال ولا وطن، بقايا صور مروعة وأحلاماً من متع الليالي الماضية ستقف دقات قلبي  آه... لو تدري حقيقتي لعرفت أن في داخلي مارداً سيغمس خنجره في داخلي في أحشائي، وتتلاشى أنفاسي صدىً تقبض بقايا العمر. 




Share To: