هو لايعرف بالضبط لماذا يبتهج بسقوط المطر،يبتهج وكان شيئا عزيزا عليه قد رد أوغائب منتظر حل،أحيانا يشبه تساقط الأمطار بالدموع لكن فيه اختلاف غالبا ما تحمل معها الدموع البكاء والتأسف لمصاب جلل ولصدمة غير متوقعة،فتتأثر الأنفس وتخرج مكبوتها من التأوه والألم، ويتوافد الناس للتشجيع على الصبر الجميل، والرجاء في عون الله،ثم يحل الزمن ويمسك الممحاة ويترك الصفحه بيضاء وفي اقل الحالات يذهب السواد الأعظم ،ثم يزول شيئا فشيئا،ويتغير الحزن ويتلاشى وترثه ابتسامة عذبة ملائكية ومعها نرى أسنانا بيضاء ثلجية تبدو لآلىء تحت سلطة الضوء.
أما السماء فلا أظنها تبكي كما تعودنا على الوصف،إنه التماهي ألبسنا الطبيعة وجداننا ووشحناها بمشاعرنا حتى نستأنس ببكائها ونقول حتى السماء انضمت إلينا وتعاطفت معنا لنكون على حق في حزننا وفي بكائنا،إنه استدماج أراه مقبولا من حيث مادية الطبيعة والإنسان ،لكن يبدو أكثر فجعلنا للطبيعة روحا موازية لنا، إنه خيال الإنسان في التركيبة الجديدة التي تبدو أمرا غير مألوف ،إنه إبداع حولنا الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل في تركيبة غريبة لكن بدت جميلة لوجداننا المتمرد على الواقع.                   
  وعاد ينظر للأمطار ،إنها تنزل رذاذا وزادها الضباب والبخار رونقا فبدت بستار رقيق يلفها ويزيدها رغبة الرائي تبدو الستائر تحجب عروسا تخاف عيون الناس، حتى يتشوق أكثر ويحب المطر بدون رجعة ولا ندم لا اعرف لماذا يحب المطر ويجري للخارج ليتمتع،يظن أن قطرات الأمطار ليست دموعا كما توهمنا ولكن جاءت خصيصا إليه ليستأنس بها ويناجيها ويبثها افراحه وشكواه إنها تحس به تريد غسل جسمه من الأوساخ وأتربة القرية وما رمته الزوابع بقوة وعنف تحت ثيابه،أحس بها كإبر ،فجاءت قطرات الأمطار لتفكه من ذلك الضجر وترجع إليه بياض جسمه، وتغسله عاطفيا، تفك خوفه وتوقعاته بغول المستقبل وما ينتظره،تنزع ألمه ووحدته وترمي تنهداته الكثيرة التي يضيق صدره لها،يريد من الأمطار ان تبقى أو على الأقل تكثر من الزيارة،هو يكرر قطرات المطر ليس دموعا إنها رحمة وغفران ،إنها الحياة التي تدل في كل المخلوقات ،كلما جاءت الأمطار كلما أحدثت قطراتها موسيقى صاخبة هي تقطر فوق سقف من الزنك يحدث صوتا ورنينا بجميع نوتات الموسيقى، قطرات قوية ،وخفيفة ورذاذ ،يالها من سمفونية بيتهوفن في العراء بدون مسرح وبدون اوركسترا وبدون عازفين، فالطبيعة لها المؤلفون والعازفون وكتاب الأغاني ،هي تبحث فقط عن الأذن التي تعشق الموسيقى وتسمعها،وتتأسف موسيقى المطر لقلة الأفراد الذين يهتمون بها، فهم بطبيعتهم البراغماتية وبحكم بطونهم يبتهجون بالمطر لنباتهم وقمحهم وشعيرهم ،وحيواناتهم ، وما يسقون ويشربون إنها المصلحة ،لكن غير متبادلة فمن كرم الأمطار يبذرون الماء ولا يعتبرونه عنصر حياة، ومتى جفت الأرض وشحت الأمطار تضرعوا وابتهلوا ووجهوا أيديهم نحو السماء طلبا للنجدة،إنه العبث ، عبث الإنسان المفكر،يفكر في مصلحته فقط ويجهل بأنها مرتبطة بالمصالح الأخرى ويكفي عطب واحد نظن أنه منعزل يعطل عجلة الحياة ويمنعها عن الدوران، ٱنها أنانية الإنسان ونظرته الضيقة، عبثت بالطبيعة العذراء.
لاتهتمي بهم ياأمطاري فيكفي أني أحبك وأعلم أن الكثير يبادلونك الحب لكنهم متهيبون وخائفون من ردود أفعال الناس حتى لايتهموا بالجنون أما أنا فلا اخاف من صراحتي التي تريحني وتجعل قلبي شفافا يرى من وراء ضلوعي، فلا تنقطعي يا امطاري وضعي مواليدك ،ولا تبقي حبلى فأنت في شهرك الأخير، واتركي حبك يعزف ألحانا التي تعودت أن اسمعها وأخرج بسرعة لاحتضانها. وتقبيلها إنها بركة السماء وكرم الخالق الرحيم ،اهطل أيها المطر، اهطل بقوة وبقطرات كبيرة تعم جسدي وتزيل جراحي واعزفي يا موسيقى فقلبي يطل من بين ضلوعي فهو يسمع ويرى، لا تنقطعي! لا تنقطعي ولا تتركيني وحدي فأنا استأنس بصوتك الموسيقي واعرف اني لست وحيدا ،بل الأمطار معي تسقيني حتي لا تجف حبالي الصوتية وحتى تتحرك يدي وترفع القلم للكتابة في عالم المتعة والإبداع.




Share To: