اُمي 
البعيدة كنجمة
القريبة كنبضة 

أعترف وأقول أن الحَرب أكلتني 
هدمتني كما هُدمت المنازل والقصور 
أحرقتني 
كما أحرقت الزهور والزرع والورود
أنتزعت اِبتسامتي 
كما أنتزعت أرواح الأطفال والشباب وكل كهلٍ وعجوز
أين أنتِ
يا اُغنيتي الحديثة التي لا امِلُ من الإستماع لها 
ولا أكرهُ المغادرة من جوارها
بعثرتني يا اُمي
كما بُعثرت الشوارع والبيوت
شتتني يا جَنتي 
كما شتت الشباب فجعلتهم يتركون هذه الأرض ثم شدوا الرحال نحو بلاد البُعد والإغتراب
قتلتني يا امرأة الجنة 
كما قُتلت كل نفسٍ بريئة
مزقتني فأصبحتُ أراني راية وطنية مشططة 
في أعلى عمود إنارة
اُعتمت طريقي 
فَقدت نَظري حين هطلت إلى جواري قذيفة 
اُطلقت من ماصورة دبابة 
يعتليها مُجرمٍ ملعونٍ يا نَبية
أعترف أنني بتُ لا أعرفني 
أعترف أنني صِرتُ تائه دون بوصلة
فقدتُ ساعدي نتيجة قذيفة مُجرمة
هأنا نِصف إنسانٍ 
أُغني ، أعزفُ ،أرقصُ وأحلمُ بالسلام بساعدٍ واحدٍ وساقٍ مكسور والأخر فقدته إثر لُغمٍ مجهول الهوية 
أعترف أنني اُصبتُ بالخوف 
هاهي ريئتي صفراء 
من شدة الفجيعة 
أصبحتُ أعاني من مَرض القلب 
والفشل الكلوي
والهلوسة 
نتيجة فَشل السلام ونجاح الحَرب 
في هذا الوطن المكلوم 
يا حورية   

أين أنتِ يا اُمي .!
تعالي ساُحدثُكِ عن أشياء كثيرة
جارنا الكهل مات بِطلقة نارية
طِفل صديقي اُصيب بشللٍ نِصفي نتيجة راجع رصاصة
صديقتكِ أروى تمكثُ بالمُستشفى تعاني من الغيبوبة والسبب أخترقت رأسها شَضية 
أخي عالقٍ خارج الوطن 
لم يجرؤ على العودة 
مُتهم بالدفاع عن القضية
يخافُ أن يعود 
فيُختطف في أقرب نقطة تفتيش 
فيتم رمية بين أربعة جدران مُرعبة 

أحتاجكِ يا اُمي .!
أين أنتِ ..
يا امرأة الاُغنيات 
يا صديقة الضوء
يا عاشقة السلام 
ويا شاعرة الأناشيد 
الوطنية
يا فتاة الريف وشمعة الظلام وقنديل عُتمة القرية، يا طفلة الجِبال والسهول
والوديان
والحقول
والزرع
وكُل وردة 
وزهرة
يا فاكهة الرُمان والعنب والتُفاح والتوت
يا رائحة الفُل
يا جمال معجون الهُرد الأصفر
والزبد
أنتِ يا أيتها النسمة الباردة 
وكل سحابة
ممطرة 

يا سمائي
يا اُغنياتي 
وعَزفي
فَني 
وفنوني
طَربي 
وإنطرابي
فُرحي 
وفرحتي
ونشوتي
يا من سرق العنكبوت خيوطه 
من خصلات شعركِ فقام بنسجها في الغار فأنقذ مُحمد وصاحبه الصديق
حين أتى طائراً يضع بيض الإنقاذ
ذات لحظة 
يا أيتها الحمامة الجميلة 
وأصوات العصافير
وتراتيل البلابل
عند كلِ صباحٍ وعند كلِ طلوعٍ  لضوء شَمس المحبة
أنتِ 
يا غُصن الزيتون 
هيا لملميني
طبطبي على جروحي
رتبيني
أعيديني إلى الحياة
عالجيني من كل ألمٍ
وتنهيدة 
وغُصة
وإمسحي بمناديلكِ كل دمعة من وجهي
وكل دمعة
ودمعة 
 
أيا اُمي
هأنذا قد كتبتكِ قصيدة
حولت نبضاتي إلى حروف، عروق جسدي إلى سطور، ودَمي إلى مداد
هيا رددي القصيدة 
يا خواطري وخاطرتي وخاطري ، يا جنتي والفردوس، يا سُكري
وسكاكري
وقِطع الحلوى 
والكيك
وكُل قطعة

غَني  
بِصوتكِ الملائكي
كي تُعطب الدبابات
كي تُتلف الطائرات
كي تصمتُ المدافع
والصواريخ 
والقنابل
والرصاص
كي تغادر الحَرب من بلدي
ويعم السلام في هذه 
البُقعة 
وتشهقُ 
الأرض فَرحة 

يا نبية
يا نبية
يا نبية




Share To: