مهما اختلف جنس الإنسان ،وتعددت ديانته،فإن روحه لا تختلف أبدا، لأنها من مصدر عُلوِيٍٍّ واحد،ومن هنا جاء التصوف ليركز على مخاطبة ِهذه الروح،ومساعدتِها على اجتياز محنة الوجود في الحال ،إلى بهجة الوجود في المآل. فالقضية المحورية في الحياة الصوفية على اختلاف الأزمنة والأمكنة ،والديانات والاتجاهات ، كانت هي حرية الروح. حيث أجمع الصوفية على اختلاف مشاربهم وتياراتهم على هذ ،ولا يغرنك ما تراه من كثرة طوائفهم ، وتباين توجهاتهم ،فهم في العمق لا يخرجون عن صنفين قارَّين في الحياة ،منذ عرف التصوف طريقه إلى النفس الآدمية.
فالصنف الأول يمثله المتحررون من كل ما هو أصولي ،وهو يدعو إلى الأخذ بالأفضل والأجمل مما هو موجود في اللحظة القائمة،لأجل إدراك الخلود الأكبر.فالإنسان إذا كانت رؤيته محدودةً بعالم الماضي،وبعالم المستقبل،فإنه من دون شك يعيش في عالم ضيق ومحدود،وليس في عالم الأبدية أو الخلود.وغير خاف أن الشعراء الصوفيين المشبعين بفواكه العرفان هم أفضل من يمثل هذا الصنف،فحياتهم ليست مقيدة بالمبادئ والطقوس،ولا بأشكال
نمطية من العيش والسلوك،فهم متحررون من كل ما هو أصولي،ومن كل القواعد والتعليمات الجامدة التي تضغط على الإنسان،ولذا تُلفيهم يمارسون حياةً مليئةً بالحرية في هذا العالم/السجن الذي يفقد كل من يعيش فيه إرادته.
والصنف الثاني يمثله المتمسكون بما هو أصولي ،وهو يتدرب ويتأمل في أُسس الأخلاق،ويعيش في نفس الوقت وفق مبادئ مضبوطة.ويوجَد في حالة من التعبُّد ونكران الذات،طريقته تقوم على اكتشاف كنه ِالدين ـ أيا كان هذا الدين ـ وتطبيقِه حسب الرؤية التي يراها،ولأجل هذا تكون مصطلحاته الدينية التي يتعامل بها حاملةً معانيَ مختلفةً بالنسبة للآخرين.
وإن كل سطرٍ في الكتب المقدسة لدى كل صنفٍ من هذين الصنفين له تفسير خاص بالنسبة له،لا يشاركه فيه الصنف الآخر....ولكنهما في الجوهر يتفقان على أن جميع الأفكار ذات النفَسِ السامي،والعظَمة الفائقة حول الله والإنسان والكون والحياة يُمكن أن تكون مفهومة فقط في حالة ربطها بعملية تطوير الإنسان.إذ بهذا الربط يصل الصوفي إلى الهارمونيا مع الآخر،فيكتشف الحكمة الحقيقية في الأديان،والنقطَةَ الجوهرية التي تدور حولها.
Post A Comment: