•••••••••••••••
فى السنة السادسة من المرحلة الابتدائية عام ١٩٦٤ ..
فى هذا الزمن الجميل كانت الدروس الخصوصية عارا على كل من يلجأ اليها ..
ولم يكن يلجأ لها سوى ضعاف التحصيل ليس سعيا للتفوق وإنما فقط للوصول الى النجاح ..
وكانت تسمى دروس تقوية ..
والسبب طبعا أن التعليم الحكومى المجانى كان رفيع المستوى ..

المدرسة كلها كانت ستة فصول كل سنة دراسية لها فصل واحد  ..
وعدد كل فصل يقل عن ٣٠ تلميذ ..

تقريبا خمسة او ستة من زملائى كانوا بياخدوا دروس خصوصية ..
أبويا  يسألنى ان كنت أحب آخد درس تقوية ..
طبعا كنت أرفض ..
ولما ألح أبويا ع الموضوع زعلت منه إنه فاكرنى تلميذ خيبان ..

فى السنة دى كان مقر إقامتى عند جدتى ..
المذاكرة كانت فى المقعد ..
المقعد ده هو الأوضة المميزة فى الدور التانى ..
أصل بيوت الفلاحين اللى معظمها مبنى من الطين آخرها دورين اتنين ..
ومعظمها دور واحد وبعضهم بيكتفى ببناء مقعد واحد على السطح ..
مقعد ستى ( جدتى) كان لوحده على السطح ..

البيت المجاور لبيت ستى كان بيت أحد الأقارب وكان رب البيت مدرسا يشار اليه بالبنان وإبنه زميلى بنفس الفصل ..
خمسة من زمايلى بياخدوا درس عند الأستاذ  ومنهم إبنه الوحيد ..
ولأن البيوت كلها مبنية بالطين ومسقوفة بالخشب كان فيه فجوة فى أعلى الجدار بينه وبين السقف ..
موقع الفجوة كان بالمصادفة يقابل بسطة سلم بيت جدتى ..
لو بصيت من الفجوة دى تلاقى فى المواجهة السبورة اللى بيشرح عليها الأستاذ لتلاميذه ..
قوم ايه بقى ..
لما أزهق من المذاكرة ما أحبش أضيع وقت .
آخد الكرسى الخيزران وأقعد على بسطة السلم وأبص ع السبورة وأتابع الشرح بتاع الأستاذ وأهو على رأى المثل زيادة الخير خيرين ..

كل ما أزهق من المذاكرة أعمل الحكاية دى خصوصا انى بكون قاعد فى الضلمة ..

وفى ليلة وأنا قاعد اتفرج على الدرس وكان الأستاذ بيشرح لهم درس حساب ..
كتب لهم مسألة حسابية على السبورة وطلب من كل واحد منهم يطلع يحل المسألة ..
كل واحد يطلع يمسك الطباشيرة فى ايده ويحاول يمشى فى خطوات حل المسألة وفى الآخر ميعرفش يوصل للنتيجة ..
لما الخمسة طلعوا ومعرفوش يوصلوا بالخطوات لحل المسألة لقيت لسانى زلف ونطق بالنتيجة النهائية بصوت عالى ..
وعينك ما تشوف الا النور ..

الأستاذ كان بيستخدم فردة جلدة زى الكرباج ..
نزل على الخمسة ضرب من غير تمييز وهو بيقول لهم :
واحد قاعد فى الضلمة يا اولاد ال .. ويطلع النتيحة من غير خطوات وانتو زى التنابلة ..

وفى مجتمع بيخاف ويترعب من الحسد عين الراجل زى ما تكون هيا كمان وصلت فى الضلمة للعبد لله ..
عادى ان اللى حصل بعدها ممكن يكون طبيعى نتيحة نزلة برد إنما جدتى على طول ربطت بين كلام الأستاذ واللى حصل تانى يوم ..
كان باقى على الإمتحان اسبوع واحد ..
تانى يوم الحكاية صحيت من النوم تعبان .. 
حرارة عالية والتهاب حاد وتضخم فى اللوزتين وعضم متكسر وطوال أسبوع مش عارف أمسك كتاب ..
كان زميلى وجارى شوقى كساب ييجى يقعد جنبى ويمسك الكتاب ويقرا بصوت عالى ..
بس كده ؟ 
لا ..
يوم الامتحان اضطروا يركبونى حمار ويوصلونى لمدرسة الجمهورية فى البندر حيث مقر الإمتحان ..
وقضيت أيام الامتحان وأنا مريض .. 
ده كان المشهد قبل الأخير ..

ولم يتبق من هذه المرحلة سوى مشهد إعلان النتيجة وما صاحبه من مفارقات ..




Share To: