...... ........ .........
1ـ
حين كتب أحد أصدقائي الكُتّاب قصةً حول "أذن كبيرة" شعرت بالغيرة منه، ليس فقط لأن قصته كانت جميلة، وإنما لأنه عاش حدثا سحريا ألهمه بكتابة تلك القصة قبل أن أعيش أنا ذلك الحدث نفسه فيما بعد!
كان هناك كاتب مشرقي يعيش في المغرب، وكلما جالسه أحد ما ينطلق ذلك الكاتب المشرقي في الحديث عن نفسه وعن "إنجازاته الأدبية" دون توقف، إلى درجة أن صديقي القاص حين جالسه تخيل نفسه وقد تحول إلى أذن كبيرة، ومن ثمة كتب قصته الساحرة.
قصص الواقعية السحرية قليلة جدا في الأدب المكتوب باللغة العربية، رغم أن الأحداث السحرية، التي يمكنها أن تلهم بكتابة قصص من هذا النوع، غزيرة جدا.
أفكر في هذه الأيام بكتابة قصة قصيرة أو رواية قصيرة في هذا الصنف من الأدب، وسيكون عنوانها "محطم الأرقام القياسية"، وذلك بعدما أوحت لي بفكرتها شخصية مفتش!
أقصد مفتشا تابعا لوزارة التعليم وليس مفتشا تابعا لوزارة الداخلية، فاحذروا من الخلط بين المفتشين!
واحذروا أيضا من سرقة الفكرة!
2ـ
تخيلوا معي:
ينشر موقع إلكتروني "خبرا" عن مفتش "حطم الرقم القياسي" في عدد الشكايات التي كُتِبَت ضده، وذلك على إثر مجموعة من التصرفات الغريبة والمثيرة التي صدرت عن هذا المفتش، سواء في علاقته بإدارات المؤسسات التعليمية التي زارها أو في علاقته بالمدرسين؛ ورغم أن هذا "الخبر" تنقصه الدقة حتى يكون خبرا صحفيا كما تنص على ذلك الأدبيات الصحفية، كما أنه لا يرقى إلى ما يُعرف في أدبيات الصحافة بالروبورتاج القصير، إلا أنه أثار حفيظة وغضب المفتش إلى أن دفعه إلى كتابة رد يكشف عن حقيقة "أنا" متضخمة لا تصبو فقط إلى تحويل الآخر إلى أذن كبيرة، بل إنها تعتقد أنه من الواجب على الآخرين أن ينظروا إليها باعتبارها طوطما أو رمزا للتقديس وربما "مسيحا جديدا"!
تخيلوا معي:
يرد المفتش فيقول إنه فعلا حطم الرقم القياسي، ولكنه حطمه في حجم التضحيات التي قدمها خدمة للمنظومة التربوية في بلاده!
لنفخر إذن، للنصارى مسيحهم يتباهون بتضحياته، ولنا "مسيحنا"!
للأسف، كثيرون هم أولئك الذين يعتبرون منظومتنا التربوية فاشلة، فأنقِذْها بتضحياتك التي لا يشق لها غبار يا "مسيحنا المبارك"..
في رده، يمثل المفتش لتضحياته الجسام بزياراته المنتظمة للمؤسسات التعليمية وتأطيره للأساتذة وتنظيمه للقاءات التربوية، فهل نسيَتِ "الأنا" المتضخمة أن صاحبها لم يمض عليه في مهنته الجديدة (التفتيش) سوى سنة واحدة، وأنه لم يعين في مديريته الجديدة إلا منذ بضعة أشهر، وأنه لم ينظم حتى الآن سوى لقاء واحد أطلق عليه اسم "لقاء تواصلي"، ولو أنه يصعب على مثل تلك "الأنا" أن تتواصل؟
كل مفتشي وزارة التربية نظموا لقاءات تواصلية مع الأساتذة، فأين يكمن تحطيمك للرقم القياسي؟
تخيلوا معي، هذا المفتش الذي يتحدث عن نفسه و"تضحياته" بهذا الشكل علنا وفي منبر إعلامي، فكيف سيتحدث مع أستاذ حين يقوم بزيارته وتفتيشه؟ هل سيطلب منه الركوع له؟
عن هذه اللحظة بالضبط، لحظة زيارة هذا المفتش لأستاذ، أريد أن أكتب قصتي "محطم الأرقام القياسية"، فإياكم أن يسرق أحد منكم فكرتي!
3ـ
ليرحم الله أحمد بوكماخ على ما قدمه من تضحيات في سبيل نهضة التعليم في البلاد لسنوات طويلة، دون أن يتفاخر بذلك..
ليرحم الله محمد عابد الجابري وأحمد السطاتي على تأليفهما لأول مقرر مدرسي لمادة الفلسفة باللغة العربية، وعلى تضحياتهما من أجل أن ينجح ذلك الانتقال..
ومتمنياتنا بالعمر المديد لبعض أساتذة الفلسفة في الجامعة وفي مراكز التكوين الذين يناضلون من أجل أن يستمر التفكير الفلسفي حاضرا، رغم الهجوم الذي تعرفه هذه المادة من الداخل ومن الخارج...
ومتمنياتنا بطول العمر للمفتشين الذين يساعدون الأساتذة في صمت ويعتبرونهم زملاء لهم، لا لشيء سوى لأنهم يميزون بين مفتش تابع لوزارة التربية والتعليم ومفتش تابع لوزارة الداخلية..
ومتمنياتنا بطول العمر لكل الأساتذة (في جميع المواد) والإداريين الذين ما زالوا يضحون في صمت من أجل تربية وتعليم حقيقي، رغم الكثير من العوائق...
ومتمنياتنا بطول العمر للتلاميذ الذين يبذلون كل جهدهم من أجل أن يتعلموا، رغم قساوة ظروفهم وغموض المستقبل..
ومتمنياتنا لهذا الشعب بنهضة حقيقية في التعليم، لأنها المدخل الأساس لكل نهضة سواها..
أما كل "أنا" متضخمة بحجم "قرعة دكالية" فمصيرها أن تتحول إلى شخصية غريبة الأطوار في قصة تنتمي إلى صنف الواقعية السحرية، مثلما تتحول "القرعة الدكالية" إلى طعام لذيذ في وجبة "كسكس"!
ورحم الله الشاعر حين قال:
ملأى السنابل........
Post A Comment: