.........

من الغباء أن لا أصدق بأنه فيروس.
من الغباء أن أصدق بأنه مجرد فيروس.
أردّد هاتين العبارتين في ذهني، دون توقف أحيانا، وكأنهما مُعَوّذَتان أحَصِّنُ بهما نفسي من جهلي وعجزي المفترِسَيْن.

كل صباح أستيقظ متأخرا عن الصباح السالف عنه. أوبخ نفسي على هذا الكسل. أفتح عينيّ وأتَفَرَّسُ في السقف. أتقلَّبُ على جنبيّ. أفكر في أن أنهض وأفتح النافذة. أتذكر قهوة الصباح ونكهة السيجارة الأولى في مقهى هادئ. أستحضر صور الأصدقاء وهم يتهافتون على أحلام لا تتحقق. أصدقاء ناضلوا واستكانوا إلى العزلة وقامروا. أصدقاء تأكلهم الأوهام مثلما تأكل الأصابع لصّا تائبا.

أجدني قد عُدتُ إلى النوم مجددا. لماذا يجب علينا أن نستيقظ في ظل هذا الحظر أو الحجر أو الطوارئ أو الموت المزوّق؟ لماذا لا نبقى نائمين ونعيش في رؤوسنا فقط؟ لماذا...
لكنني أنهض أخيرا. مهما تأخرتُ في النوم، أنهضُ. أنا أيضا لص تأكله أصابعه. أتذكرّ أنّه لدي زوجة وابنة تتقلب في بطن الشهور. أتذكرّ أنه لدي تلاميذ رابضون في مجموعات الواتساب، ينتظرون خبز المعرفة. أتذكر الكلمات. الكلمات السّابلة في هواء مملكتي المهجورة.

أنا أيضا لصّ. لص تأكله أصابعه. الأصابع أوهام. الأصابع أحلام. الأصابع ذكريات لا تنطفئ. الأصابع أرواح تؤجج صمت الكهوف. الأصابع كلمات ترفض أن تنصاع إلى الحظر.

أشاهد التلفاز قليلا. أفتح الحاسوب وأتجول في الأزقة الزرقاء قليلا. أطل من النوافذ على مجموعات الواتساب. ثم أشعر بالغبن. الخديعة في كل مكان. الخديعة توأم الفيروس، لا يعرف أحد من أين يأتيان ولا لماذا هما في كل مكان!

الخديعة رصاص الدُّهْمِ (جمع دهماء)، وهؤلاء في كل مكان. في الأعلى مثلما في الأسفل. فوق كراسي الجلد والكراسي المذهبة في مكاتب العاصمة. في سْوِيقَات سيدي يوسف بن علي. في شوارع فاس وطنجة وسلا. في لحية الإمام المصبوغة بالحنّاء. في الجلّاد السّاكن في داخل كل واحد في بلدي. في الضحية المتباكية في دواخلهم أيضا.

ينادي الدهم المتملقون "لنردد النشيد الوطني". يخرجُ الدُّهم مهللين "الله أكبر". يردّ الدّهم الآخرون "أين الدولة؟". تردّ الدهماء الكبيرة بصفع العُزّلِ في الشوارع تحت أضواء الكاميرات...

سيل رصاص الدّهم لا حدّ له.

يهتف صوت في داخلي "من الغباء أن لا تصدّق بأنه فيروس"، فيردّ آخر "من الغباء أن تعتقد أنه مجرد فيروس".
تتجمدّ أصابعي عن الكتابة لأيام. أحار في أمر هذا البلد. 
حتى في الأيام الدهماء، لا يتوقف اللصوص في الأعلى عن نهب كل شيء. يحولون الفيروس إلى أرضية لإحلال نهبهم أكثر. اقتطاعات. غرامات. تمرير مخططات لضرب التعليم أكثر...

تُدرك أن ما سُمِّيَ "التعليم عن بُعد" ليس سوى مخطط أسوأ من التعاقد، لكن صوت الدّهم في كل مكان يخنق صوتك. تتجمد أصابعك لأيام...
لكن أصابعك تشبه أصابع لص. 
لا تتوقف أصابع اللص عن أكل صاحبها حتى وإن تاب!
فكيف تتوقف أصابع من لا يتوب إلا إذا مات؟

الأصابع أوهام. أحلام. ذكريات لا تنطفئ. أرواح تؤجج صمت الكهوف. الأصابع كلمات حق ترفض أن تنصاع إلى الحظر...



Share To: