واخيراً بعد أكثر من 50 عاماً عثرت عليه في مخيم شاتيلا في لبنان !! (تحقيق شخصي مصور)
الصداقة نقش مقدس محفور على قلوب الاوفياء ..
في واحدة من حارات بغداد القديمة وتحديدا في محلة الكراده الشرقية خارج ، (رأس شارع (العرصات الهنديه المؤدي الى المسبح) ،وبالفترة الواقعة بحدود سنة 1967 وماقبلها ، كنا نلتقي بروحية الشباب المراهق المتفائل، ونتبادل الشقندحيات بالنكت والمقالب والضحكات، ببراءة تامه، وخصوصا عندما نتحولق حول عربة البائع المتجول، في نسف صحون اللبلبي والباقلاء والشلغم (اللفت)الساخن بالدبس خلال فترة الشتاء والصيف قبل ان تنتفخ البطون .. أو بممارسة اللعبة الشعبية المحببة (كرة القدم) وسط الشارع بعد اقامة علامات الاهداف بين حجرين قدد سبب اشكالات احيانا مع سائقي السيارات يوم ذاك ، ويوم كان عدد السيارات ليس بالكثافه التي نشاهدها في بحر الطريق بوقتنا الحالي فكانت حكرا على الطبقة المتخمة في اكثر الاحيان، ولا ترى مكانا للحسد فالكل كان مقتنع بقسمة ربه، ولا يوجد اثرا للضغينه الاجتماعيةأوالطائفية في النفوس، وكما يحدث اليوم مع شديد الاسف ، فالمسيحيون بكل طوائفهم من الارمن والسريان والكلدان والارثودكس، والمسلمون بشتى مذاهبهم واطيافهم واعراقهم من الاكراد والتركمان والصابئة ووو، ومن قبلهم اليهود، فالجميع كانوا يفرحون بفرح واحد ويتشاركون باحزانهم، ولا يوجد خط احمر يفصل عاداتنا وتقاليدنا وتقديسنا الا في مجال ضيق جدا، وحكرا على المتبتلين بالصوامع ومن ذوي العقول الراجحة من الكبار الذين يحاولون ان يحجزوا لهم جوازا دبلوماسيا لاخرتهم وليدخلون فيه الجنة .. بل الملفت ترى اكثرنا يحمل عادات وطقوس مغايرة و بشكل عفوي وحبي لتطمين الرأي الاخر بعدم وجود التمييز. وخير مثال كما كان يحدث في كنيسة مريم العذراء في حارتنا، التي تجد فيها شموع النذور وطلب الحاجات من (الام البتول مريم ) ، من قبل النساء المسلمات..واحيانا ماكان يحدث من عتب العوائل من غير المسلمين باغفالهم حصتهم من النذور اثناء الطقوس وخصوصا بتوزيع الهريس وكل اشكال النذور الاخرى بلحوم الذبائح و السكريات والزرده بالحليب المرشوشة بالقرفة ( الدارسين) وكَودس (حلاّل المشاكل) أو(خبز العباس) الحار بنوعيّه المدهون بدهن الحر مع السكر، أوخبز الحار الملفوف على الخضروات الطازجة .
(زياد علي حمو) من اصل عربي فلسطيني من مواليد 1946كان واحدا من بين اولاد حارتنا مع اشقائه الخمسة، وبعد حرب حزيران سنة 67 اختفى فجأة .. بسبب انخراطه بالعمل المقاوم الفلسطيني(الجبهة الشعبية) ..
وكلما تفقدنا اخباره لايصلنا منه سوى النزر القليل، مثل انه تزوج وصار عنده ولد اسمه (علي)...الخ
ومضت السنين اثر السنين، وزاد من فجوة تباعدنا كثرة مسؤوليات الحياة والوظيفة، ولم يغب عن ذاكرتي هذا الانسان الطيب .. ولا ادري هل هو كان كذلك يفكر مثلي ،( الله اعلم ).. لان الانسان ذات المعدن الاصيل دائما ينضح باصله.. ويبقى بريقه لاهثا مهما تقادم عليه الزمن وتكالبت عليه النكبات ..
واخيرا وانا في زيارة عمل الى بيروت حاولت ان احصل على رقم هاتفه لاتصل به، وبعد حصولي على رقمه جربت الاتصال به عدة مرات ولم يرد ، لان رقمي غريب يحمل كود السويد.. وحاولت الاتصال بشقيقه الاكبر في بغداد ليبلغه بطبيعة شخصي لكي يرد عليّ باطمئنان .. واخيرا غمزت السنارة وانتشلت سمكتي من اعماق المجهول ،فصار ينتظرني في احدى ضواحي بيروت القريبه من مخيم صبرا وشاتيلا .. وبقيت انتظر لاكثر من ربع ساعة.. واذا بشخص يصف سيارة قديمة بجانبي وظننت بانه تاكسي .. فاشرت له بيدي شاكرا ولست بحاجة للتاكسي ، واذا بهذا الشوفير يتسمر بمكانه ويكون اكثر الحاحا وهو يشير لي بالصعود، فحاولت التبحر في وجهه ، واذا بهذا الشوفير يبادلني بابتسامة عريضة اول ما استقرأت فيها عن نصف اسنانه الاماميه طايره، و شعره الذي اصطبغ ببياض الثلج ، وعيونه تكاد أن تغور بين سفوع التجاعيد من خلف عدسات نظارته المنزلقة الى أرنبة انفه ..
حتى اخذت فطنتي تلكزني بالعودة الى اصل الحكاية بالستينات .. ولم اكاد أن اصدق بان حلمي قد تحقق بانتعاش الروح الاخوية الوثابة التي لاتستكين للزمن، ولا تهّون العِشرةِ عليها كما في وُلـْدِ الحرام.. فاحتضنا بعضنا وتابطنا كل واحد منا للاخر، واخذنا نتجول في حارة كونفدرالية المخيم التي رسمها الشتات (شاتيلا)وهي تشكو من التدني في كل اشكال الخدمات الى تحت مستوى خط الفقر، وتأن من ازدواجية منح الفرص في القانون اللبناني بالمواطنة والتوطين من الدرجة الثانية ، اسوة بباقي المخيمات في داخل لبنان .. وصار صديقي يُعرفُني (لكونه مسئولا) على زملائه في المجلس البلدي والبعض من اصدقائه على طول الطريق بداخل المخيم ، ويقص عليهم حكاياتنا.. وهم لا يكادوا أن يصدّقوا هذه الحكاية،لانها اصبحت اليوم عنوانا طوبائيا قد اكل عليه الدهر في عصرٍ مضى وانقضى..
ومن ثم دعيت الى حضور المعرض الخاص للفولكلور الفلسطيني في مدخل الحمرا ببيروت و الذي أبهرني بغزارة نتاجاته وبكل اشكال الصياغه المبدعة بالفن اليدوي الشعبي ..
تحياتي لكل الصداقات الوفية و أنّـــا كانت..
Post A Comment: