تحت كل فندق سجنٌ مطمور والعكس صحيح. لا يعني هذا أننا لو نسفنا فندق الريتز بباريس سنعثر بالضرورة على ما يشبه غوانتنامو، أو لو دمرنا سجن سابانيتا في فنزويلا وحفرنا عميقاً فلربما أمكننا اكتشاف أحد فنادق بيفرلي هيلز. إنما قصدت أن السجن هو العالم السفلي للفندق إذ كل شيء هنا يوجد هناك أيضاً لكن بالعكس. لا يقوم كلٌ منهما على أنقاض الآخر إلا من حيث المبدأ.
من الخارج، تتطاول الفنادق عمودياً كأنها نوافير من الزجاج بينما تتمدد السجون أفقياً مثل قبضة عريضة من الإسمنت. وإذ يحرص الفندق على أن يطل على نهرٍ أو معلمٍ سياحي أو أن يكون على الأقل في قلب المدينة، ينأى السجن بعيداً حيث لا إطلالة إلا على العدم. أما من الداخل، فتُحمل حقائب نزيل الفندق بينما يُساق السجين وقد نُزِعت عنه ساعته وكل ما في جيبه ثم نُزِع ذلك الجيب. وكلٌ نزيلٌ لكن شتّان بينهما. يدخل الأول ويخرج وقتما يشاء، أما الثاني فلم يختر الدخول من الأساس ولذا لن يخرج بمجرد أن ينتابه السأم. وفي استقبال الفندق تنتظر غادة الكاميليا وفي راحتها كأس من العصير أو من الشامبانيا في الوقت الذي يترقب فيه المفتش جاڤير وقد فاضت كأسه من الشتائم والصفعات. وتتكدس اللحوم في البوفيه المفتوح والأسماك والجمبري والفواكه والحلويات والكعك و حتى الفالوذج بينما يتكدس الدود والسوس في عدس السجن. على أننا يجب ألا نغفل حقيقة أن الجوع هو أمهر شيف في العالم، وأن التخمة هي من تصنع الذواقة. وفي بهو الفندق حيث تصدح الموسيقى الكلاسيكية تطير التحايا ونظرات الإعجاب والعطور، وفي باحة السجن ينز العرق والدسائس والعداوات. وكما تقع في الفندق قصص حب قصيرة -لا تدوم أكثر من نهاية الأسبوع- تبدأ في البار أو حول المسبح وتنتهي في الفراش الوثير تدوم في السجن حوادث الاغتصاب حتى نهاية المحكومية. أما الوحدة في الفندق فهي شكل من أشكال الهدوء بل وربما الطيش لكنها في السجن حبس انفرادي، سجن مضاعف، سجن داخل السجن. للوقت ريش أبيض في الفندق وجناحان يطير بهما من غرفةٍ لأخرى ومن طابقٍ لآخر وفي الزنزانة حصان عجوز مكسور الساق. وفي السجن بقشيش أيضاً ولكن عكس بقشيش الفندق، إذ تمتد يد النزيل إلى جيبه هناك أما في السجن فحسب السجين من البقشيش ألا تمتد يد الضابط إلى هراوته. كل ما يمعن في التدليل من جهة، يمعن عكسه في الإذلال من الجهة الأخرى. وعندما تغادر الفندق يمكنك أن تدفع نقداً أو بالفيزا، أما في السجن فلن تدفع إلا من عمرك.
Post A Comment: